الوجود الصيني فى الشرق الأوسط.. الفرص والتحديات

 

مقدمة:
يشكـل إقليم الشرق الأوسط أهمية كبرى فى النظام الدولى، حيث يمثل قلب العالم فيربط بين الشرق والغرب، ويتميز بالممرات الملاحية والمضايق الهامة في تسهيل حركة التجارة العالمية، بالاضافة إلى تمتع منطقة الشرق الاوسط بالعديد من الثروات الطبيعية، خاصة فى مجال النفط والغاز، كما أنها ذات أصل تاريخي وحضاري هام، وشهدت المنطقة أيضا صراع جيوسياسى أثناء الحرب الباردة، وهى من مناطق الصراع الهامة بين القوى الدولية، خاصة فى ظل تحول النظام الدولى إلى الأحادية القطبية. لذلك أعادت الصين تشكيل سياساتها تجاه الشرق الاوسط، وسعت إلى تحقيق توسع غير مسبوق فى المنطقة وإبراز وجودها فى كل المجالات الحيوية، على الرغم من إهمال الصين لإقليم الشرق الأوسط سابقاً حيث لم يشغل حيزاً كبيراً فى خطط بكين، فتهدف بكين إلى تأمين مصالحها الاقتصادية والأمنية فى الشرق الأوسط وإعادة التوازن إلى سياساتها الداخلية والخارجية والأمنية لازدياد أهمية المنطقة الجغرافية الاستراتيجية، وذلك وبالتزامن مع إطلاق مبادرة طريق الحرير الجديدة التى أعلن عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ (Xi Jinping) رسمياً فى أيلول (سبتمبر) من عام 2013.

وهنا سوف نستعرض الدور الجيوسياسى للصين فى الشرق الأوسط والمصالح الصينية بها وكيفية تعامل بكين مع المنطقة والآليات المستخدمة والفرص والتحديات المتاحة أمام دول الشرق الأوسط:

أولاً: دور الصين الجيوسياسي فى الشرق الأوسط:
إن الصين تشترك مع شعوب الشرق الأوسط فى الكفاح ضد العدوان والاستعمار، لذلك لم ترتبط الصين بالمعارك المستمرة حول الأهمية الجيوسياسية للمنطقة، وبالتالي لا تتحمل الصين عبئًا تاريخيًا من الناحية الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وقد توجهت أنظار الصين نحو الشرق الاوسط بعد الحرب الباردة، وبدأ يتزايد اهتمامها بدول المنطقة، وعملت الصين على إقامة علاقات ودية معها، يسود تلك العلاقات الثقة والتعاون الفعال والمتكامل مع دول الشرق الاوسط، والمشاركة فى كافة القضايا السياسية والاقتصادية التى تهم المنطقة، وطرح العديد من المقترحات والأفكار المثمرة للمساهمة فى تسوية الصراعات.

ولكن توجد ألعاب جيوسياسية معقدة في الشرق الأوسط في الوقت الحالي، لم تشارك فيها الصين ومنها اللعبة بين القوى المؤثرة فى النظام الدولى، حيث تسعى تلك القوى إلى التحكم فى القضايا الخاصة بالشرق الاوسط وفرض هيمنتها بشكل كبير، فنجد الصين تتدخل فى الشرق الأوسط بشكل حيادى وودى، لذلك تواكب أنشطة الصين مبادرات الأمم المتحدة والأنظمة المتعددة الأطراف الأخرى تجاه الشرق الأوسط.

واصلت الصين دعم علاقات مفيدة وتعاونية مع دول الشرق الأوسط، ويتضح هذا من خلال تقدم الصين والمملكة العربية السعودية وتركيا وإسرائيل في خطط المشاركة فى مشروع “الحزام والطريق”.

وقد أيدت الصين باستمرار دول الشرق الأوسط في تحقيق التنمية الذاتية، وعززت التجارة مع دول الشرق الأوسط بشأن الخبرة الإدارية، وقدمت المساعدة والدعم وبهذه الطريقة كسبت الاعتراف العام لدول الشرق الأوسط كان هذا واضحًا بشكل خاص منذ “الربيع العربى”.

ثانياً: المصالح الصينية فى الشرق الأوسط:
يعد الشرق الأوسط قلب العالم وذات أهمية استراتيجية واقتصادية وجغرافية كبرى، حيث أنه سوق هام لمشروعات الصين الاقتصادية الضخمة على المستوى العالمى، وتحديداً مبادرة ” طريق الحرير”. لذلك فإن الصين من أهم الشركاء التجاريين لدول الشرق الأوسط، حيث تستمد أغلبية إمدادها من الطاقة من إقليم الشرق الأوسط لتحريك حركة إنتاجها الفائقــة، وتحاول الصين تحقيق طموحها فى السيطرة الاقتصادية على النظام الدولى، وبالتالى السيطرة السياسية، من أجل خلق نموذج اقتصادى صينى بديلا عن” النموذج الغربى ” فى المنطقة، والترويج له من خلال عمليات التنمية فى الدول المتعثرة مالياً بمساعدة البنك الآسيوى للتنمية، وتعد الشراكة الصينية -الإيرانية المعلن عنها مؤخرا أكثر تطبيق عملى واضح لتلك السياسة.

وأدركت الصين الأهمية الاقتصادية الكبرى لمنطقة الشرق الاوسط التى تتمتع بإنتاج أكبر كمية نفط وغاز عالمياً، وكذلك أراضيها الغنية بالثروات الطبيعية المختلفة، وتحتوي أيضا على أكبر احتياطى نفط وغاز فى العالم. ونجد أن استمرارية النمو الاقتصادى الصينى وسهولة التجارة مرتبطان بشكل كبير بالشرق الاوسط، حيث تمثل سرعة النمو السكانى بالمنطقة أسواقا واعدة للاستثمار فى مجالات متعددة حتى الدفاعى والعسكري.

كما تسعى الصين إلى توسيع نطاق نفوذها الجغرافي الاستراتيجي إلى أبعد من جوارها المباشر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتطوير العلاقات مع قوى كبرى أو إقليمية أخرى. وتكمن المصلحة الصينية في الشرق الأوسط في الحفاظ على الأمن الداخلي في الدولة ومحيطها، حيث أن الشرق الأوسط يشكل امتداداً استرتيجياً لحدود الصين الغربية، فتؤثر الاتجاهات المهيمنة على الوضع في الشرق الأوسط  والأيديولوجية الدينية المتطرفة تأثيراً مباشر على أمن الصين واستقرارها.

لذلك تتبع الصين عدة آليات فى التعامل مع الشرق الاوسط بشكل يجعلها دائما موضع الصديق والبديل الآمن عن الغرب فى التعامل، ومن أهم تلك الآليات: التحركات الدبلوماسية فى التعامل مع القضايا الساخنة بالشرق الاوسط، فنجد الصين تطرح العديد من المبادرات والمقترحات حول القضايا العربية، فقد اقترحت الصين مبادرة من خمس نقاط بشأن تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط في مارس عام 2020. وفي شهر يوليو الماضي قدمت الصين أيضاً مقترحاً من أربع نقاط لحل القضية السورية وكذلك اقترحت ثلاثة مسارات لتنفيذ “حل الدولتين” بشأن القضية الفلسطينية.

وعملت الصين على إقامة شراكة استراتيجية مع الدول العربية في عام 2018. وسوف ترتقي العلاقات الصينية العربية في عام 2022 إلى مستوى جديد بفضل القمة الصينية العربية الأولى المرتقبة.

ثالثاً: فرص دول الشرق الاوسط فى ظل الوجود الصيني في المنطقة:
أ. إحداث توازن جديد فى المنطقة وخلق تعددية فى القوى الموجودة بالشرق الأوسط وإنهاء الأحادية القطبية.
ب. احتفاظ دول المنطقة بعلاقات ودية ومختلفة مع القوى الدولية لتحقيق التوازن فى مصالحها.
ج. تراجع قيمة نفط الشرق الاوسط لدى الولايات المتحدة وظهور الصين كبديل فعال للولايات المتحدة حيث تعتبر الصيــن من أكبــر مســتوردى النفــط مــن المنطقة.
د. الاســتفادة مــن التنافس بين الصين والولايات المتحدة فى نشر الاستقرار بالشرق الاوسط.

رابعاً: تحديات تواجه دول الشرق الأوسط في ظل الوجود الصيني في المنطقة:
أ. تزايد الصراعات الإقليمية وتطور الوضع لعدم الاستقرار مما يشكل تحدى للصين فى التدخل بشكل حيادى.
ب. معاقبــة القوتين (الصينية والأمريكية) للــدول التــي تنخــرط فــي محــاور ضدَّهما مما يشكل تحدى كبير لدول الشرق الاوسط.
ج. سعى الولايات المتحدة لتقليل العلاقات الاقتصادية لدول المنطقة بالصين وتأثيرها علــى الخطــط التنمويــة.

د. تعرض المنطقــة لحــرب بــاردة جديــدة مــع تزايد الوجود العسكرى الصيني .

الخاتمة:
إن الوجود الصينى فى الشرق الأوسط قد تزايد بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة، لإدراك الصين مدى الأهمية الاقتصادية والأمنية والجغرافية الكبرى التى تتمتع بها المنطقة وتؤثر بشكل وثيق ومباشر على اقتصاد وأمن الصين، وكذلك تعزز وضعها فى النظام الدولى لكسر نظام الأحادية القطبية، وخلق نظام دولى جديد يقوم على التعددية، وتمكينها من فرض وجودها كلاعب دولى قوى ومؤثر فى السياسة الدولية.
ونتوقع أن تشهد السنوات القادمة تطوراً واصحاً فى دور الصين على الساحة الدولية، مما يتيح الفرصة أمام دول الشرق الأوسط لمحاولة الاستفادة من تلك التنافسية الموجودة بين القوى العظمى، ووضع سياسة واضحة ومؤثرة لحل قضاياها الساخنة، وفتح مجالات اقتصادية وتجارية جديدة تمكنها من تحقيق خطوات واعدة ومتقدمة فى عمليات التنمية ومكافحة الإرهاب، والعمل على خلق مكانة مؤثرة فى النظام الدولي.

المراجع:
1. عائشة منافح، ” محددات السياسة الخارجية للصين في الشرق الأوسط بعد الحراك العربي” ، مجلة بحثية للعلوم الانسانية، (المغرب: مؤسسة خالد الحسن 2014).
2. عدنان خلف البدرانى، ” أثر الاستمرارية والتغيير في السياسة الخارجية الصينية تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط “، (العراق: مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية 2015).
3. “تطورات جديدة فى الشرق الاوسط وسياسة الصين الشرق أوسطية “، مقال، (لبنان: مركز الدراسات الاستراتيجية عدد 119، 2005).
4. ابتسام صلاح، ” السياسة الخارجية للصين تجاه الشرق الأوسط في الفترة من 2000م – 2014م “، رسالة ماجستير، (السودان: جامعة أم درمان الاسلامية 2017).
5. د. محمد بن صقر، ” التناُفس الأمريكي-الصيني وانعكاساته على منطقة الشرق الأوسط “، دراسة (الرياض: المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 2021).
6. أندرو سكوبيل وعلي رضا نادر، “الصين فى الشرق الHوسط: التنين الحذر”، تقرير للجيش الأمريكى (كاليفورنيا: مؤسسة RAND 2016).
7. http://arabic.news.cn/2021-07/24/c_1310082453.htm
8. http://www.chinaarabcf.org/ara/zyfw/t1866452.htm
9. http://arabic.news.cn/2021-07/30/c_1310097217.htm

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *