الجدل حول نظام سانت ليغو في قانون الانتخابات العراقي وسياسة خلق الأزمات

أثيرت في الآونة الأخيرة جدالات بين مؤيد و معارض لما يسمى بنظام سانت ليغو و مدى إمكانية الأخذ به في قانون الانتخابات العراقي، فبعد كل انتخابات ينبغي توزيع مقاعد المجلس الذي أجريت الانتخابات لملئه بالشكل الذي يحقق أقصى انعكاس ممكن للنتائج التي أفرزتها الانتخابات، حيث واجهت النظم الانتخابية سابقاً ومازالت مشكلة توزيع هذه المقاعد على الكتل التي حققت نتائج في هذه الانتخابات، فابتدع المتخصصون نظم عديدة لإجراء التوزيع المذكور بالشكل الذي يضمن تحقيق أهداف العملية الانتخابية في ضمان متطلبات الديمقراطية، فكان من بين هذه النظم طريقة سانت ليغو.

لن ندخل في تفاصيل آلية تطبيق هذا النظام، لكن ما تجدر الإشارة إليه هو أن الصيغة الأصلية لنظام سانت ليغو  تتضمن ميزة وعيباً في الوقت عينه، ميزة تتمثل في أنه يسمح للأحزاب أو الكتل السياسية أو المستقلين الحاصلين على أصوات قليلة بالمقارنة بالأصوات التي حصلت عليها الكتل الكبيرة بالمشاركة في المجلس المنتخب، وهذا بلا شك يمثل جانباً إيجابياً لتحقيق أهداف العملية الانتخابية في تمثيل أكبر قدر ممكن من أصوات الناخبين.

بيد أن الجانب السلبي أو العيب الذي تفرزه هذه الصيغة هو أنها وعند إجراء العملية الحسابية وفقاً للصيغة الأصلية لهذا النظام، فإنها تؤدي إلى تحديد أعداد مختلفة للفوز بالمقاعد الانتخابية بالنسبة للكتل الكبيرة عن الكتل الصغيرة، بحيث تختل فيها العدالة وتتأثر بسببها الديمقراطية سلباً، بسبب ارتفاع عدد الأصوات المطلوبة لحصول مرشحي الكتل الكبيرة على مقاعدهم في المجلس المنتخب، بالمقارنة مع انخفاض عدد الأصوات المطلوبة لحصول مرشحي الكتل الصغيرة أو المستقلة على مقاعدهم أو بعضها في المجلس الانتخابي.

ولذلك تم إجراء التعديلات على الصيغة الأصلية لنظام سانت ليغو، فبعد أن كانت العملية الحسابية تبدأ بتقسيم عدد الأصوات الحاصلة عليها الكتل الانتخابية على الرقم (1) ثم (3)، (5) ، صعوداً. أصبحت العملية المذكورة تبدأ بالرقم “1,4” ثم اصبحت الصيغة الثالثة “1,9” ، والغاية من الصيغتين الثانية والثالثة، هي التخفيف من سلبية التقسيم الذي ذكرناه قبل قليل، والتقليل من فارق الأصوات المطلوبة لنيل مرشحي الكتل الكبيرة والكتل الصغيرة.

وفي بادرة من المشرع العراقي جعل الرقم الذي تبدأ فيه العملية الحسابية هو “1,6”، باعتباره حلاً وسطاً، ونعتقد أنه حقق نوعاً من التوازن بين طرفي النزاع.

وما تجدر الإشارة إليه أن أطراف الجدال حول تطبيق هذا النظام ينطلقون من مبدأ مصالحهم الحزبية، وليس من منطلق الصالح العام، فلا نظام سانت ليغو ولا قانون الانتخابات ولا حتى الدستور النافذ هو سبب الوضع السيء الذي تمر به الدولة العراقية، وإنما السبب هو الخلل في الأدوات والتطبيق.

ولا ننكر الحاجة إلى تعديلات دستورية وقانونية هنا وهناك، بيد أن التعديل الأساسي والجذري ينبغي أن يكون في الطبقة السياسية التي جُرِّبت على مدى سنوات منذ السقوط في عام 2003 إلى الآن، وأثبتت فشلها بجدارة.

وما حالة المناقشات بين مؤيد ومعارض لنظام سانت ليغو سوى تطبيق لسياسة خلق الأزمات، وشكل من أشكال الدعاية الانتخابية المبكرة، فكلا الطرفين سواء فيما وصل إليه الحال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *