الأزمة الإثيوبية .. نيران على تخوم الشرق الاوسط

تتشعَّب أبعاد الأزمة الإثيوبية منها الداخلي ومنها الخارجي، على أطراف الشرق الأوسط، نتيجة لتبعات مستجدة ومنها ما يعود إلى مناخ سياسي ممتد لأكثر من عشرين عاماً أسس لتراكمات من القلاقل السياسية والتي لا يغيب عن بال أي متابع أو متخصص أنها مع الوقت ستقود إلى صدامات داخلية.

إثيوبيا أصبحت دولة حبيسة بعد أن كان لها شاطئ ممتد على البحر الأحمر، فقد انفصل الإريتريون عنها وأخذوا معهم شاطئ ممتد على ساحل البحر الأحمر لتصبح إثيوبيا الدولة الحبيسة أمام مشكلة أخرى وهي تتعلق بمياه نهر النيل.

إثيوبيا اليوم تطمح لتكون إحدى دول المركز في شرق أفريقيا، لقد شرعت في تشييد سد النهضة بكل ما أثاره من أزمات إقليمية، امتدت إلى العالمية أحياناً، ولم يكن هذا المشروع إلا تجلياً لمساعيها، لتقديم نفسها كدولة محورية، لديها إمكانيات خاصة في المجال الاقتصادي، والطاقة، ومع ذلك فإن هناك دلائل تثير شكوك حول المشروع وضرورته وغايته وما يثار عن الدور الإسرائيلي في إنجازه. إضافة لذلك توسعها في التسليح أيضاً، فإثيوبيا منذ انفصال إريتريا باتت تتعايش مع هاجس أمني مستمر يزيده حالة عدم الاستقرار الداخلي خاصة مع إقليم تيغراي، وهو أهم عوامل عدم الاستقرار الداخلي في إثيوبيا.

 

التركيب العرقي في إثيوبيا:

إثيوبيا بمكوناتها العرقية الثلاثة، التيغراي والأورومو والأمهرة، إضافة إلى أقليات أقل، تشكل المكوِّن الإثيوبي الكُلِّي للبلاد، وهذا ما جعل حالة التجانس في دول أفريقيا موضع تساؤل، فالقارة السوداء في غالبيتها بما في ذلك الشرق الأفريقي الذي تتواجد فيه إثيوبيا تتعدد فيه الصراعات والنزاعات خاصة نزاعات الهوية الوطنية.

من المعروف حالة الانقلاب في التوازن السياسي داخل إثيوبيا التي أسقطها ميليس زيناوي بعد إقصائه لنخب إقليم تيغراي المسيطرة على أبرز مقاليد الحكم لتتحول السيطرة لعرقية الأورومو التي ينتمي لها آبي أحمد، فعملية الإقصاء تلك وإن كانت أعادت قيادات التليغري لإقليمهم لكنها لم تؤثر على مكانتهم التي شغلوها سنوات طويلة.

رغم أن إثيوبيا استُعمرت كغيرها من دول القارة إلا أن استعمارها استمر لخمس سنوات فقط وهو بذلك أقصر احتلال شهدته القارة، كما أنها تعد ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان (بعد نيجيريا)، ويزيد عدد سكانها عن 102 مليون نسمة، يشكل خليطاً متنوعاً بعرقياته ولغاته ودياناته، فهناك أكثر من 80 عرقية مختلفة، وعلى مستوى الخارطة السياسية الداخلية في إثيوبيا، تحظى تسعة أقليات عرقية بحكم ذاتي داخل أقاليمها الموجودة فيها، أهمها أقليات الأورومو والأمهرة والتيغراي.

وتعد عرقية الأورومو الأكبر في إثيوبيا، وتتركز وسط البلاد في إقليم أوروميا، ويشكل عدد المنمين لها نحو 35 في المئة من عدد السكان، تليها عرقية الأمهرة ثاني أكبر العرقيات في إثيوبيا وتشكل قرابة 30 في المئة من عدد السكان، وعرقية التيغراي وتشكل نحو 6 في المئة من الشعب الإثيوبي وأغلب المنتمين لها يعيشون في شمال البلاد على الحدود مع جمهورية إريتريا.

 

آبي أحمد وفرص الصراع:

حافظت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على مكانتها كأقوى أطراف الائتلاف الحاكم في إثيوبيا لفترة طويلة امتدت منذ عام 1991 وحتى عام 2018، وزاد من نفوذها رئيس الحكومة الراحل ميليس زيناوي المعروف كسياسي قوي، وتغير الحال مع تولي آبي أحمد رئاسة الحكومة الفيدرالية عام 2018، حيث اختاره ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية رئيساً للائتلاف مما يجعله رئيسا للوزراء أيضاً.

وقد حصل آبي أحمد على وزنه السياسي لانتمائه لعرقية أورومو، أكبر مجموعة عرقية في البلاد والتي خاضت على مدى ثلاث سنوات احتجاجات مناهضة للحكومة السابقة انتهت برحيلها.

وبتوليه لمهامه كرئيس للحكومة أخذ يعمل على إضعاف نفوذ الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وقام بعملية استبدال ممنهج لمكانتها في النظام السياسي الإثيوبي، ولم يكتفي آبي أحمد بذلك فاتخذ خطوته الأكثر تهديداً لدور الجبهة في بنية الحياة السياسية الإثيوبية وزادت من توتير الأوضاع هناك بعد أن اتخذ قراره بحل الائتلاف الحاكم القائم على تشكيلة عرقية مستبدلاً تلك التشكيلة بحزب سياسي جديد أطلق عليه “حزب الرخاء”، وعماده الأساسي تحالف لعدد من الأحزاب الوطنية وهو ما رفضته جبهة تحرير تيغراي ولم تنضم إليه وبذلك أصبحت خارج التحالف العرقي الحاكم في البلاد.

وجاء رد الجبهة باتخاذ خطوة عقد انتخابات في الإقليم في سبتمبر/أيلول وتحدت بذلك الحظر المفروض على الانتخابات على مستوى البلاد، وأجرت انتخابات وأختير دبري صيون رئيساً لحكومة الإقليم. وهو ما رفضته الحكومة في أديس ابابا التي كانت اتخذت قراراً فيدرالياً بتأجيل الانتخابات العامة بسبب جائحة كورونا، مما جعلها تتعامل مع خطوة الانتخابات في إقليم تيغراي تحدياً لها وتوتيراً للحياة السياسية هناك.

واتخذ البرلمان الإثيوبي بغرفتيه، عدة قرارات عقابية ضد حكومة الإقليم، من بينها قطع التمويل ومنع التعامل معها باعتبارها حكومة غير شرعية. وعدت الأزمة الدستورية القائمة بين إقليم تيغراي والحكومة الفيدرالية سابقة في تاريخ البلاد، إذ لم يحدث أن أجرى أحد الأقاليم انتخابات منفصلة عن الانتخابات العامة التي تجرى كل خمسة أعوام (1).

أزمة أخرى زادت من توتر العلاقات تمثلت بتعهد آبي أحمد مع توليه سلطاته الدستورية بإنهاء الصراع مع الدولة الجارة إريتريا, الحرب التي بدأت عام 1998 وحتى عام 2000 وخلفت قرابة 80 ألف قتيل، خطوة السلام هذه لم تحظى بإجماع وطني خاصة إقليم تيغراي المحاذي لإريتريا والذي رأى في هذه الخطوة تنازل عن حقوقه، وفي ذات الوقت تذمرت إريتريا من الاتفاق بعد عامين من إبرامه حسب زعمها أن آبي احمد لم يلتزم بما اتفق عليه خاصة بالبند المتعلق بسحق القوات الإثيوبية من أراضي إريترية.

 

التحركات الدولية:

لم يتأخر التدخل الدولي تجاه الأحداث في إثيوبيا وبدأ في عدة اتجاهات سياسية وعسكرية. آبي احمد الحاصل على جائزة نوبل للسلام وجهت له رسالة فريدة وثقيلة من الهيئة القائمة على الجائزة تشير إلى سياساته العنيفة في البلاد، وما كان لتلك الرسالة أن تصب إلا في سياق التذمر من الحالة السياسية وعدم الاستقرار في إثيوبيا.

وقد اعتبر موقع “والتا إنفو” الإثيوبي، أن إثيوبيا باتت أحدث نقطة اشتعال في الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث يتنافس كلاهما على النفوذ في البلد الذي يعاني من الصراع، بسبب إقليم تيغراي. (2)

ومن أوجه ذلك التنافس اعتراض روسيا والصين على إصدار بيان لمجلس الأمن بشأن القتال في إقليم تيغراي، وقالتا إن ما يجري هناك هو شأن داخلي. من جانبها، قالت المندوبة الأميركية إن واشنطن تحث إثيوبيا على دعم وقف القتال فوراً وتطالب بالانسحاب الفوري للقوات الإريترية وقوات أمهرة باعتباره خطوة أساسية للحل.

على الصعيد الروسي فإن التعاون مع إثيوبيا في تصاعد مستمر ففي شهر يوليو المنصرم عقد منتدى التعاون العسكري الإثيوبي الروسي دورته الـ 11 في أديس أبابا، بهدف تعزيز التعاون العسكري بين إثيوبيا وروسيا في مجالات التكنولوجيا ونقل المهارات وتبادل الخبرات في مجال العلوم العسكرية والتقنية. (3)

ورأى أحد الخبراء أن موقف “الدب الروسي” ليس متعلقاً بمصر، بقدر ما هو بحث عن مصالح روسية، ورسالة إلى اللاعبين الدوليين في الساحة الإفريقية بأن موسكو قادمة عبر بوابة إثيوبيا. (4)

تحركت دول أخرى تجاه الصراع وفقا لمصالح كل منها فحظيت الحكومة الرسمية بالدعم من تركيا التي منحت صفقة طائرات البرقدار التركية الصنع للجيش الإثيوبي لتعزيز موقفه في العمليات العسكرية، في الوقت الذي رفضته مصر وطلبت من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي التدخل لمنع الصفقة نظراً لتأزم العلاقة مع أديس ابابا على خلفية أزمة سد النهضة.

وكان رئيس الوزراء آبي أحمد صرح عقب زيارته إلى أنقرة في شهر سبتمبر من العام الجاري: “إثيوبيا لن تنسى أبداً التعاون في الفترة الحرجة الذي قدمه لنا شعب وحكومة تركيا”. (5)

يتضح أن الدبلوماسية الإثيوبية سعت لبناء شراكات متعددة تبحث من خلالها عن داعم لمواقفها وتحركاتها في ملف النزاع الداخلي إضافة إلى تأمين جهات للإمداد بالسلاح والعتاد. وكانت إثيوبيا اشترت أيضًا أسلحة صينية وإيرانية، ومن منظور الولايات المتحدة، لطالما كان يُنظر إلى إثيوبيا على أنها حليف موثوق به، خاصة خلال ما يسمى بالحرب على الإرهاب، لقد دعمتها الولايات المتحدة ماليًا، حيث قدمت أكثر من 4.2 مليار دولار من المساعدات بين عامي 2016 و2020. (6)

 

إثيوبيا ومسار الفوضى:

استمرار الصراع في إثيوبيا لن تقتصر نيرانه على إثيوبيا وشعبها، سيمتد أكثر خاصة في شرق إفريقيا، ما قد يستدعي تدخلاً دولياً يقيد النظام السياسي هناك ويعيدها لمربع الوصاية مجدداً، وجاء تحرك دول الجوار كمحاولة لتهدئة الوضع القائم فدعت أوغندا دول القرن الأفريقي (إثيوبيا، الصومال، جيبوتي، إريتريا) للتحرك سوياً لحل الازمة، وطلبت في وقت سابق اجتماع للدول المعنية.

وقابل هذا التحرك تحرك آخر إفريقي لوقف إطلاق النار بين الأطراف فعقد الاتحاد الإفريقي على لسان مبعوثه أولوسيغون أوباسانجو اجتماعات مع آبي أحمد وقادة “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”، قدموا خلالها مقترحات لتسوية الخلاقات لكنها كما يبدو إلى الآن لم تثمر شيئاً على أرض الواقع، مع تمسّك الطرفين بشروطهما والتحرك الميداني للمسلحين خاصة عناصر جبهة تحرير تيغراي الذين يتقدمون ميدانياً باتجاه العاصمة أديس أبابا.

وإن كانت فرص الحل هناك تتناقص مع الوقت نظراً للتصعيد المستمر لكن يجب أن تدار الأزمة بعيداً عن الأجندات الدولية المتنافرة بطبيعة الحال وهذا يتطلب دور أساسي للفرقاء لمحاولة تخفيض حمى التوتر بينهم، إثيوبيا تعيش عدة تناقضات سواء على مستواها الداخلي أو الإقليمي، وأهمها داخلياً التنافس العرقي المأزوم وفي بلد من دول العالم الثالث المسحوقة، وأزمة سد النهضة الذي تحول لأزمة إقليمية خاصة مع جمهورية مصر الدولة ذات الثقل على مستوى القارة الإفريقية إضافة إلى مجموعة دول حوض النيل.

إن السيناريوهات الموجودة حالياً في أفضلها تحتاج إلى إنهاءً فورياً للحرب الدائرة، وبدء ترتيب أوضاع الاتحاد الفيدرالي بما يضمن مشاركة الجميع والابتعاد عن الإقصاء لأي من العرقيات الإثيوبية خاصة الشريكة في الحكم، ويبقى الخيار الأسوأ مطروحاً باستمرار، وهو الحرب إلى أن تؤدي إلى انهيار كامل للدولة والدخول في حالة من الفوضى التي سوف تستدعي تدخلاً مباشراً من الخارج.

وفي حال تحقق السيناريو القائم على انتصار أحد طرفي الحرب على الآخر فإن المشهد سيعود إلى مربع سابق سيؤثر على توازن العرقيات ودور وتمثيل كل منها، لكن لا يعني هذا السيناريو إنهاء حالة الحرب بل قد يدخل البلاد في حالة تمرد وحرب عصابات تستنزف البلاد.

المراجع:

1.    أزمة إثيوبيا وإقليم تجراي.. القصة الكاملة للصراع

https://al-ain.com/article/ethio-tegray

2.    إثيوبيا أحدث نقطة اشتعال في الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا

https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=10072021&id

=7079bcf4-31d2-4b1a-a15f-ba32fc357562

  1. https://al-ain.com/article/1626100944
  2. أزمة السد.. لماذا غيّرت روسيا موقفها لصالح إثيوبيا؟ https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7
  3. العلاقات التركية الإثيوبية تتوسع … مع الأزمات ضد العرب

https://www.turkeynow.news/studies/2021/09/09/29699/

  1. https://www.bbc.com/news/world-africa-59227672

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *