هل يتحول قيس سعيد إلى ديكتاتور؟.. خطوات مقترحة للحفاظ على الديمقراطية في تونس

مقدمة

اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيد عدة قرارات فجائية في يوم 25 من شهر يوليو الماضي عقب اجتماعه مع قادة عسكريين وأمنيين في قصر قرطاج الرئاسي، تشمل هذه القرارات تجميد البرلمان التونسي لمدة 30 يوماً ورفع الحصانة عن جميع أعضاءه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه، وتولي رئيس الدولة رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد ينوي تعيينه، وقد اتُخذت هذه القرارات بعد احتجاجات شعبية عنيفة جرت في عدة مدن تونسية ضد الحكومة والبرلمان التونسيين اللذان تسيطر عليهما حركة النهضة الإسلامية، الفرع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في تونس. وهنا وجه راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب التونسي اتهامه إلى قيس سعيد بتنفيذ انقلاب على الثورة التونسية والدستور التونسي. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد حيث امتد إلى تهديد رئيس الدولة باستخدام القوة العسكرية في حال اللجوء إلى استخدام السلاح من قبل المعارضين لقراراته، مؤكداً دستورية قراراته الفجائية، ويبدو أن الحالة الشعبية الآنية في الشارع التونسي، مع استبعاد تيارات الإسلام السياسي ومؤيديها، تدعم قرارات رئيس الدولة.[1] [2] وهنا يظهر التساؤل: هل يتحول الرئيس التونسي قيس سعيد إلى ديكتاتور؟ وبالتالي: هل تتوقف الديمقراطية عن تاريخ تونس في المستقبل؟

 

لماذا احتج التونسيون ضد الحكومة والبرلمان؟

بالعودة إلى أسباب الاحتجاجات الشعبية في تونس التي سبقت قرارات الرئيس التونسي الفجائية التي اتخذها في يوم 25 من يوليو الماضي، نجد أنها تنحصر في سببين، أحدهما يتعلق بتفشي وباء كوفيد-19 والثاني يتعلق بالاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية،[3] وهي أسباب ليس لها علاقة بالإسلام السياسي على وجه خاص بقدر ما تتعلق بأسلوب إدارة الدولة، ومع ذلك فإن أصابع الاتهام تتجه إلى حركة النهضة الإسلامية باعتبارها المسؤولة الأولى والكبرى عن إدارة الدولة التونسية بعد نهاية عهد بن علي في عام 2011.[4] حيث استطاعت هذه الحركة أن تسيطر على الحكومة والبرلمان بعد الثورة باعتبارها الكيان الوحيد المنظم المستعد لقيادة الدولة،[5] كما هو حال جماعة الإخوان المسلمين وفروعها في كل أنحاء دول الشرق الأوسط.

 

عامة الناس في كل بلاد العالم لا يتعمقون كثيراً في أسباب فشل القائمين على السلطة في إدارة بلادهم، لكنهم بدلاً من ذلك يتجهون إلى شخصنة الفشل كما حدث في ثورة تونس التي اشتعلت في عام 2010، التي وجهت أصابع الاتهام إلى الرئيس التونسي بن علي، أو يتجهون إلى أدلجة هذا الفشل كما هو الحال في الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في تونس عندما تم توجيه أصابع الاتهام إلى حركة النهضة الإسلامية. وعلى الرغم من ذلك لا نستطيع أن نتجاهل الآثار الوخيمة لجماعات الإسلام السياسي على الحياة السياسية والمجتمعات عامة.

 

التدين السياسي يقتل الديمقراطية أينما حل:

خلط الدين بالسياسة هو منهج فاشل في قيادة الدولة، لأنه منهج إقصائي يقدس فئة معينة من السياسيين ويقصي معارضيهم، لذلك لا يوجد سبيل إلى بناء دولة مدنية حديثة إلا بتجريم ما يمكن تسميته بالتدين السياسي.[6] وهذا المنهج التجريمي للتدين السياسي لابد أن يقوم على توعية الجماهير من عامة الناس الذين كثيرا ما يميلون إلى تقديس دمج الدين مع السياسة، لما للدين من قداسة تضفي على العمل السياسي نوعا من الاطمئنان الزائف في قلوب وعقول العامة، حيث يلجأ من لا يريد أن يبحر في التفاصيل إلى طمأنة نفسه أن دولته تدار بحسب أحكام الدين فيستريح ويتوقف عن حمل هموم إدارة الدولة لأنها في أيدي أمينة وهي أيدي رجال الدين العاملين بالسياسة، هكذا تتصور الشعوب المؤمنة بلزوم تسييس الدين أو تديين السياسة.

 

لقد أدى وصول حركة النهضة الإسلامية إلى السلطة في تونس بعد الثورة التونسية، إلى فتح باب الإقصاء التي ظهرت بوضوح في اغتيال زعيم المعارضة التونسي شكري بلعيد في فبراير من عام 2013 على يد شخص سلفي مسلح، بالإضافة إلى اغتيال سياسي معارض آخر في نفس العام وهو محمد براهمي، مما عرض حركة النهضة لانتقادات بسبب نهجها المتساهل في الملف الأمني. مما أجبرها على الانسحاب من الحكومة في عام 2014 في إطار تفاوضي.[7] وقد تم إحياء هذه القضية مرة أخرى بعد قرارات الرئيس التونسي الفجائية، الصادرة في يوليو الماضي، حيث وُضع قاضياً تونسياً يدعي بشير العكرمي قيد الإقامة الجبرية لمدة 40 يوماً نظراً لاتهامه بإخفاء ملفات تتعلق بالإرهاب من بينها قضيتي اغتيال كل من بلعيد وبراهمي.[8]

 

مدى إمكانية سقوط تونس في فخ الديكتاتورية:

هناك احتمالات مطروحة لسقوط تونس في فخ الديكتاتورية، وذلك يرجع إلى عدة عوامل، أهمها صفة عدم الدستورية التي وُصفت بها قرارات الرئيس التونسي والتي سبقت الإشارة إليها، ما يمكن أن يدفع رئيس الدولة إلى الاستحواذ المستمر على السلطة خوفا من المحاسبة والمسائلة القانونية، خاصة في ظل تجميد عمل البرلمان وإصرار قيس سعيد على قيادة الدولة منفردا بمعاونة القيادات العسكرية والأمنية.

 

وليس بالضرورة يتحول قيس سعيد نفسه إلى ديكتاتور على إثر التطورات السياسية الأخيرة في تونس، لكن يمكن أن تتحول قراراته إلى مدخل لديكتاتورية عسكرية إذا ما قرر الجيش التونسي اقتحام العمل السياسي المباشر في المستقبل، في حال طرأ خلاف ما بين الرئيس التونسي المنتخب والقيادات العسكرية، ما يُدخل تونس في نفق مظلم يصعب الخروج منه في المستقبل القريب.

 

مدى دستورية قرارات رئيس تونس:

استند قيس سعيد رئيس دولة تونس على الفصل رقم 80 من دستور تونس،[9] حتى يضفي على قراراته، السابق ذكرها، صفة الدستورية، لكي لا تتحول قراراته إلى جرائم يعاقب عليها القانون التونسي، فيتحول من رئيس دولة إلى مجرم. ولكن لم يكن ذلك المستند كافياً لإضفاء صفة الدستورية حيث أن قرارات رئيس تونس لم تكن محتكمة بشكل دقيق إلى هذه المادة الدستورية. فعلى سبيل المثال، ألزمت هذه المادة رئيس الدولة التونسية باستشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب قبل اتخاذ التدابير الاستثنائية في حالة وجود خطر داهم مهدِّد لكيان الوطن وأمن البلاد، وهو ما لم يحدث حيث أن رئيس الدولة لم يستشير رئيس مجلس النواب قبل اتخاذ قراراته. كما نصت المادة على أن يكون مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم وهذا أيضا لم يحدث حيث أن قرارات رئيس الدولة قد تضمنت تجميد مجلس نواب الشعب.[10] إذن فنحن بنظرة مجردة أمام مخالفة دستورية من رئيس الدولة التونسية.

 

التوصيف الممكن لقرارات قيس سعيد: الانتقال من المشروعية الدستورية إلى الشرعية الثورية:

هروباً من المسائلة القانونية وهروباً من الديكتاتورية التي يمكن أن تتمكن من نظام الحكم في تونس إذا ما وضعت قرارات رئيس دولة تونس تحت عنوان الجريمة الدستورية، يمكن وضع قراراته في إطار ما يمكن تعريفه بـ “الشرعية الثورية” أو “شرعية الاحتجاجات الشعبية”. ويختلف مفهوم الشرعية “legitimacy”[11] عن مفهوم المشروعية “legality”،[12] حيث يتعلق الأول بالقبول والاعتراف الشعبي بالسلطة بينما يتعلق الثاني بالالتزام بالقانون والدستور. وفي حالة الثورات الشعبية لا يمكن الاحتكام إلى القانون الساري حينها بسبب مخالفة تلك الثورات له. فإذا نظرنا إلى الثورة التونسية ذاتها التي انطلقت في عام 2010 سوف نجدها ضربت بالقانون والدستور عرض الحائط فلم تحترم السلطات والمواد القانونية القائمة حينها ومن هنا اكتسبت التحولات السياسية اللاحقة عليها صفة الشرعية المبنية على الإرادة الثورية للشعب التونسي، هذه الشرعية التي سمحت بإلغاء الدستور القديم وصياغة دستور جديد للدولة في عام 2014.[13]

 

الخاتمة:

مما سبق تفصيله يتضح الآتي:

  • هناك احتمالات تفتح الباب أمام سقوط دولة تونس في فخ الديكتاتورية، إذا لم تُتخذ خطوات سريعة تضمن تفعيل مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في أقرب وقت ممكن. مع عدم انفراد رئيس الدولة بالقرار.

  • التوصيف القانوني الممكن لقرارات الرئيس التونسي الصادرة في يوم 25 من يوليو الماضي، هو الانحياز للشرعية الثورية أو شرعية الاحتجاجات الشعبية، وهي شرعية تقوم على إرادة الشعب التونسي الثائر ضد سياسة حركة النهضة الإسلامية.

  • الأرجح أن حركة النهضة الإسلامية في تونس ليس لها محل من الإعراب في الساحة السياسية التونسية، في المستقبل القريب على أقل تقدير، لما سقطت فيه من فشل سوف يكلفها تواجدها السياسي على المدى المنظور.

  • في تقديري، ينبغي الحرص على تجريم التدين السياسي أو دمج الدين مع السياسة في تونس، في أقرب وقت ممكن، نظراً لما يتسم به من صفة التمييز والإقصاء وهو ما يهدد أمن الدولة واستقرارها إلى جوار أنه يتعارض مع قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. وبالتالي من الخطوات اللازم اتخاذها منع أي من الإسلاميين الترشح لأي عمل سياسي لما يحملونه من أيديولوجية إقصائية، إلى حين التأكد من انفصال المرشح الإسلامي “سابقاً” عن هذه الأيديولوجية انفصالاً تاماً حرصاً على استمرارية مفهوم المواطنة بلا تمييز.

 

خطوات مقترحة لعدم تحول النظام التونسي إلى الديكتاتورية:

للابتعاد عن فخ الديكتاتورية، في تقديري، ينبغي تحقيق الآتي:

  • تشكيل لجنة وطنية برئاسة الرئيس التونسي قيس سعيد، تضم نخبة من التيارات السياسية المدنية التي يتفق الشعب التونسي على وطنيتها كما تضم فرد من القيادات العسكرية ليمثل الفكر الأمني داخل هذه اللجنة. ويُعهد إلى هذه اللجنة وضع خارطة طريق تضمن إعادة الدولة التونسية إلى نصابها السياسي الصحيح، حرصاً على عدم السقوط في فخ الديكتاتورية.

  • الحفاظ على تفعيل مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، واعتبار قرارات رئيس الدولة استثنائية استجابة للاحتجاجات الشعبية التي تمثل الشرعية الجديدة. وحرص القيادات الأمنية والعسكرية على عدم قيادة العمل السياسي بشكل مباشر، والاكتفاء بالحفاظ على الوضع الأمني وتقديم الاستشارات الأمنية الواجبة لسلطات الدولة.

  • الإعلان عن عقد الانتخابات النيابية التونسية في أقرب وقت ممكن، لمنع أية محاولة للانقضاض على التوجهات السياسية الهادفة لدعم الاستقرار من قبل حركة النهضة الإسلامية التي تستحوذ على البرلمان المُجمَّد.

  • تشكيل لجنة قضائية قانونية تُشرف على ترتيب الانتخابات النيابية المقبلة، وتعمل كهيئة استشارية للجنة الوطنية السابق ذكرها، دون تجاوز شرعية الاحتجاجات الشعبية أو التراجع عنها.

  • تجاوز خلافات الرأي الحادة بين ممثلي التيارات المدنية بتوجهاتها المختلفة، لأن الخلافات تؤدي إلى الضعف، والضعف يؤدي بدوره إلى فشل التيارات المدنية في تجاوز أزمات الدولة الاقتصادية والصحية والسياسية أمام الشعب التونسي، مما يفتح الباب أمام احتضان شعبي للديكتاتورية أياً كان نوعها، سواء عسكرية أو مدنية أو عسكرية.

 

 

References:

[1] Claire Parker, “Tunisia’s president fires prime minister, dismisses government, freezes parliament”, The Washington Post, 26 July 2021, 10 August 2021, Available at: https://www.washingtonpost.com/world/2021/07/25/tunisia-saied-mechichi-parliament/

[2] BBC News, “Tunisia President Kais Saied accused of coup amid clashes”, BBC, 26 July 2021, 10 August 2021, Available at: https://www.bbc.com/news/world-africa-57976005

[3] Idem.

[4] Tarek Amara, “Protests across Tunisia target Ennahda party over political crisis”, Reuters, 25 July 2021, 10 August 2021, Available at: https://www.reuters.com/world/africa/protests-across-tunisia-covid-19-surges-economy-suffers-2021-07-25/

[5] Rory McCarthy, “When Islamists Lose: The Politicization of Tunisia’s Ennahda Movement”, The Middle East Journal (Washington, D.C.: Middle East Institute, Vol.72, No.3, 2018) P.374.

[6]  كيرلس عبد الملاك، “معضلة الجمع بين الديمقراطية والاستقرار.. كيف نصوغ معادلة ناجحة تجمع بين العنصرين في أفريقيا والشرق الأوسط؟”، رؤى شرق أوسطية، 27 يونيو 2021، 10 أغسطس 2021، متاح في: https://mevp.eu/?p=162

[7] Rory McCarthy, op.cit., P.374.

[8] Reuters, “Tunisian security forces place prominent judge under house arrest”, Reuters, 31 July 2021, 10 August 2021, Available at: https://www.reuters.com/world/africa/tunisian-security-forces-place-prominent-judge-under-house-arrest-2021-07-31/

[9] Reuters, “Tunisian president responds to coup critiques: ‘review your constitutional lessons'”, Reuters, 26 July 2021, 9 August 2021, Available at: https://www.reuters.com/world/africa/tunisian-president-responds-coup-critiques-review-your-constitutional-lessons-2021-07-26/

[10] The National Constituent Assembly, Tunisia’s Constitution of 2014, Tunisia: 2014.

[11] Bruce Gilley, “The meaning and measure of state legitimacy: Results for 72 countries”, European Journal of Political Research (Hoboken: Wiley-Blackwell, Vol.45, No.3, 2006) P P.500-501.

[12] Alexandru Stoian And Teodora Drăghici, “The Principle of Legality, Principle of Public Law”, International Conference Knowledge-Based Organization (Berlin: Walter de Gruyter GmbH, Vol. 21, No.2, 2015) P. 513.

[13] Ahmed El-Sayed, “Post-Revolution Constitutionalism: The Impact of Drafting Processes on the Constitutional Documents in Tunisia and Egypt”, Electronic Journal of Islamic and Middle Eastern Law (Zurich: University of Zurich, Vol.2, 2014) PP. 39-40.

One thought on “هل يتحول قيس سعيد إلى ديكتاتور؟.. خطوات مقترحة للحفاظ على الديمقراطية في تونس”

  1. لا زلنا في دولنا العربية لا نؤمن بالحوار والفصل بين السلطات وقبول من يخالفنا في الراي وان المثقف العربي عندما يكون له راي او فكر مؤدلج يرفض الفكار والايدلوجيات الاخرى .. وهذا ما وجدناه في عموم بلادنا العربية منذ اتفاقية سايكس بيكو والى الان .. وان المثقف العربي لم يتصرف بمهنية مع الواقع بعد ثورات الربيع العربي. لذا الديمقراطية تتعثر وتتراجع مع الاسف. وسنعود الى الدكتاتوريات من جديد بسبب الرؤية الضيقة للمثقف العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *