لماذا تسعى طالبان إلى توطيد العلاقة مع اليابان؟

في وقت كانت تتفاوض فيه الصين مع الحكام الجدد لكابول[1]، سواء مباشرة أو عبر الصديق المشترك باكستان، وذلك حماية للطريق البري “لمبادرة الحزام والطريق”، كانت طالبان تسعى لتوسيع خياراتها عبر فتح خطوط التواصل مع اليابان، والتي كان لها دور طوال العشرين سنة الماضية في دعم الشعب الأفغاني.

المتحدث باسم الحركة سهيل شاهين، وبعد ظهوره على شاشة التلفزيون الصيني، كان له لقاء مع وكالة كيودو اليابانية[2]، ركّز خلال الحوار على أن “طالبان تريد أن تشارك اليابان في إعادة إعمار أفغانستان”، وأن هناك سعي “إلى تعاون ياباني في مختلف المجالات”.

هذه المقاربة الأفغانية تستند إلى أن اليابان قد سبق لها وساهمت بـ 68 مليار دولار في إطار الجهود الدولية لإعادة إعمار أفغانستان، كما ساهمت بدعم القطاعات الطبية والزراعية والتعليمية في المناطق الريفية[3]، بل كان من المقرر أن تتبرع طوكيو بمبلغ 122 مليون دولار هذا العام (2021م) لدعم الأنشطة الإنسانية على الأراضي الأفغانية[4].

وبالإمكان استعراض الدعم الياباني للشعب الأفغاني[5] عبر المحاور التالية:

 

أولاً: على الصعيد التعليمي:

1- بناء أكثر من 800 مدرسة، وترميم 121 مدرسة أخرى بالتعاون مع اليونسيف[6].

2- دعم حوالي 700 ألف طالب أفغاني في مختلف المراحل التعليمية.

3- تدريب حوالي 10 آلاف مدرس عبر مؤسسة جايكا.

4- بناء 15 معهداً للتطوير المهني.

5- دعم مشاريع محو الأمية، والتي استهدفت 10 آلاف مواطن بالغ بالتعاون مع المؤسسات المحلية، و600 ألف مواطن بالغ بالتعاون مع اليونسكو.

 

ثانياًـ على الصعيد الإنساني:

1-  بناء 77 عيادة طبية، وتوفير المعدات لمئة مستوصف قامت الولايات المتحدة ببنائها.

2- تأمين لقاحات شلل الأطفال بصفة دورية سنوياً منذ العام 2001[7].

3- دعم البرامج التي تُعنى بصحة “الأم والطفل”.

4- بناء مستشفى مخصص لعلاج الأمراض المعدية في العاصمة كابول.

5- إعادة تأهيل مستشفى محافظة غور[8].

6- التعاون مع ألمانيا لبناء مستشفى بلخ[9].

7- حفر 1000 بئر مياه في القرى النائية.

8- تقديم 20 شاحنة لنقل المياه بين المحافظات الأفغانية.

9- التوعية بأهمية استخدام المياه النظيفة بين سكان الأرياف.

 

ثالثاً، على الصعيد الزراعي:

1-  دعم زراعة الأرز في محافظة ننجهار[10]، مما زاد المحصول ثلاثة أضعاف.

2- تمويل المزارعين في مقاطعة باميان لبناء مزارع نموذجية.

3- توفير بذور القمح للفلاحين الأفغان، وذلك في إطار الخطة الأممية لمكافحة زراعة المخدرات.

4- التعاون مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة لتحسين نوعية إنتاجية المزارع الأفغانية.

5- تحسين أنظمة الري وبناء منشآت الطاقة الكهرومائية الصغيرة.

6- تدريب الموظفين المحليين للمساعدة إدارياً لتصريف الموسم الزراعي.

7- المساعدة في مجال الاستخدام الأمثل للموارد المائية في الزراعة.

 

رابعاً، على صعيد التنمية الريفية:

1- استيراد منتجات القرى الأفغانية، على سبيل المثال:

بلخ: سجاد وزيت طعام.

ننجرهار: مشتقات ألبان، ثوم.

باميان: سجاد، بطاطس.

2- مساعدة 1000 برنامج إنمائي صاغتها المجتمعات نفسها.

3- تقديم المساعدة لـ 300 برنامج تنموي على مستوى المقاطعات.

4- تشييد العديد من الجسور والقنوات والسدود في مناطق الجبال النائية.

 

خامساً، على صعيد البنية التحتية[11]:

1- تمويل وإنجاز مشروع الطريق الدائري بطول 700 كم، والذي يخدم العاصمة كابول.

2- تطوير الطريق الدولي كابول – جلال آباد، وصولاً إلى الأراضي الباكستانية.

3- تحديث شبكة المواصلات البرية في حافظة باميان.

4- بناء مبنى الركاب بمطار كابول الدولي (عدد مستخدميه السنوي: حوالي 1.4 مليون).

5- إعادة تأهيل أرصفة المطارات في مطار كابول الدولي.

6- توفير 115 حافلة عامة لمدينة كابول.

7- صياغة خطة رئيسية لتنمية منطقة كابول الحضرية.

 

سادساً، على الصعيد الإنساني[12]:

1- توفير 30000 طن من الغذاء سنوياً للشعب الأفغاني.

2- المساهمة في المساعدة الغذائية الأممية ، مثل برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة.

3- تأمين الوجبات المدرسية لما يقارب 2 مليون طالب أفغاني سنوياً.

4- تأمين 2600 مأوى لما يقارب 38000 إنسان نازح ومهجر.

5- توفير المواد الغذائية لما يقارب 4600 أسرة في مخيمات اللاجئين.

6- تأمين الأطراف الاصطناعية لـ 30 ألف مصاب أفغاني. وارتفاع العدد يرجع إلى الحروب المتتالية، ومخلفاتها من ألغام وذخائر غير منفجرة.

7- تمويل المساعدة الطبية والعلاج الطبيعي لـ 150000 مواطن أفغاني.

 

وقد بلغ عدد المواطنين اليابانيين في أفغانستان حوالي 120 شخصاً، منهم حوالي 30 يعملون في السفارة اليابانية في كابول، و60 يعملون مع “وكالة اليابان للتعاون الدولي – جايكا”[13]، والآخرون يعملون في المنظمات الدولية مثل اليونسكو[14] وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي[15] وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان[16].

هذا الوجود الإنساني الحيوي سارع بالخروج الفوري مع انهيار الجيش الكرتوني الأفغاني، وفي نفس يوم سقوط العاصمة الأفغانية، تم إقفال السفارة اليابانية في كابول ووقف منصاتها الالكترونية (فايسبوك وتويتر)، وصرحت وزارة الخارجية اليابانية بأنها أجلت جميع أفراد سفارتها في كابول بسبب احتمالية تدهور الوضع الأمني في أفغانستان بعدما سيطرت طالبان على البلاد، وأوضحت الوزارة أن 12 من مسؤولي السفارة اليابانية وصلوا إلى دبي أمس “على متن طائرة عسكرية تابعة لدولة صديقة” بعدما أغلقت سفارتها في كابول يوم الأحد الماضي، كما أقامت مكتبا مؤقتا لها في إسطنبول لاستئناف أعمال السفارة عن بُعد.

كما صرّح كبير المتحدثين باسم الحكومة اليابانية أن اليابان سترسل طائرة عسكرية إلى أفغانستان في وقت لاحق لإعادة رعاياها وسط حالة من الغموض في البلاد، ومن المتوقع إرسال المزيد من طائرات النقل العسكرية إلى أفغانستان ليس فقط لإعادة المواطنين اليابانيين ولكن أيضا لإعادة الأفغان الذين يعملون في السفارة اليابانية أو مع البعثات اليابانية[17].

بعدها أرسلت اليابان  ثلاث طائرات نقل تابعة لقوات الدفاع الذاتي، واحدة من طراز “سي-2” واثنتان من طراز “سي-130″، لإجلاء المواطنين اليابانيين المتبقين والموظفين المحليين الذين عملوا في السفارة ووكالات التنمية اليابانية[18]. حيث صرح رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوغا، إن اليابان تعتزم منح الأولوية للإجلاء الآمن للمواطنين اليابانيين وموظفي السفارة من أفغانستان باستخدام طائرات قوات الدفاع الذاتي. وشدد على أن اليابان ستتعاون بشكل وثيق مع مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى ودول أخرى “لمنع أفغانستان من أن تصبح بؤرة للإرهاب مرة أخرى، ولتجنب أزمة إنسانية مستمرة هناك ولحماية حقوق المرأة”، وأضاف: “استقرار وتعافي الدولة ذات الأهمية الجيوسياسية يصب في مصلحة اليابان الوطنية بقوة”[19].

ومع تسارع الأحداث، بخاصة بعد التفجير الإرهابي والذي تبناه تنظيم داعش المتطرف[20]، نقلت وكالة أنباء “كيودو” عن المصادر الرسمية التي لم تسمها قولها إن التقديرات اليابانية تشير إلى أنه من الصعب ضمان أن تكون العمليات في مطار كابول آمنة بعد الموعد النهائي لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان[21]، وأن ما يصل إلى 500 شخص من بينهم الموظفون المحليون في السفارة اليابانية والوكالة اليابانية للتعاون الدولي بالإضافة إلى عائلاتهم ما زالوا في البلاد، وفي أثناء تقييم الوضع الأمني ​​على الأرض، تنظر الحكومة اليابانية في طرق بديلة محتملة لإجلاء هؤلاء، مثل استخدام الخطوط الجوية التجارية.

وبعيداً عن ساحة الحرب، نعود لجسور الود التي تحاول طالبان مدها مع الجانب الياباني، في حين أن الصين هي كانت المبادر للتواصل معها، فأفغانستان التي توصف بـ”مقبرة الإمبراطوريات” الغازية (الوصف التاريخي، والذي استعمله الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه[22]) تمتلك أيضاً ثروات طبيعية هائلة، على غرار النحاس والرخام والأحجار الكريمة، ومعادن أخرى يمكن استغلالها لأغراض تكنولوجية، أهمها “الليثيوم”.  وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قد أصدرت مذكرة داخلية بعنوان “أفغانستان المملكة العربية السعودية لليثيوم”[23] بعد أن اكتشف الجيولوجيون الحجم الهائل للثروة المعدنية للبلاد والتي تقدر قيمتها بما لا يقل عن تريليون دولار، وهذا المعدن الفضي ضروري لإنتاج السيارات الكهربائية وبطاريات الطاقة المتجددة، والأكيد أن أفغانستان تمتلك أكبر احتياطي منه في العالم[24]. إضافة إلى إمكانية استثمار اليابان لهذه الثروات الطبيعية الهائلة.

 

لا بد من الإشارة إلى الموافقة الضمنية للإدارة الأميركية على تسلم طالبان لمقاليد الحكم الأفغانية، والقبول العام لدول الخليج العربي لهذا التحول في السلطة الأفغانية، والتجاوب الشعبي في العالم الإسلامي، بخاصة الأغلبية المحافظة (بالطبع الأقليات الدينية والعرقية والأيديولوجية تناصب طالبان والفكر الذي تمثله عداوة تفوق العداء الأميركي البراغماتي).

 

إذن يبرز التساؤل: هل اليابان ستتجاوب مع السعي الأفغاني لتوطيد العلاقات، تحقيقاً لمصالحها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية أولاً، بخاصة مع تزايد التحدي الصيني (الحليف الوثيق لباكستان)، أم أن المخاطر الواقعية تفوق الأرباح  المتوقعة، بخاصة مع وجود “إرهاب للإيجار” متعدد الولاء والغباء؟

 

المراجع:

[1] بعد صعود طالبان.. أفغانستان بين التقدم الصيني والتراجع الأمريكي. (2021, September 4). – European Centre for Middle East Studies.https://mevp.eu/?p=2407&fbclid=IwAR2sqQpfGDjrW1RXbFhe8xQqAGcpPju0BNWmgLcKxTD8sfwTayowCd3zsUQ

[2] NEWS, K. (2021, August 24). Taliban wants to maintain good relations with Japan: Spokesman. Kyodo News+. https://english.kyodonews.net/news/2021/08/4b12e6edd948-taliban-wants-to-maintain-good-relations-with-japan-spokesman.html

[3] Walia, S. (2020, March 24). Securing peace in Afghanistan: A primer on Japan’s role. ORF. https://www.orfonline.org/research/securing-peace-in-afghanistan-a-primer-on-japans-role-63634/

[4] Japan approves millions of dollars in aid to Afghanistan. (2021, February 1). The Khaama Press News Agency. https://www.khaama.com/japan-approves-millions-of-dollars-in-aid-to-afghanistan-5656565/

[5] هنا لا بد لنا من ذكر الطبيب ورئيس مؤسسة السلام اليابانية للخدمات الطبية شهيد الانسانية “ناكامورا تيتسو” والذي بذل حياته في خدمة اللاجئين الأفغان، بخاصة في المخيمات المحاذية لباكستان.

Tetsu Nakamura. (n.d.). The Japan Times. https://www.japantimes.co.jp/tag/tetsu-nakamura/

[6] How Japan can help turn bunkers back into classrooms – Afghanistan. (n.d.). ReliefWeb. https://reliefweb.int/report/afghanistan/how-japan-can-help-turn-bunkers-back-classrooms

[7] Government of Japan commits US$ 12.4 million to provide life-saving vaccines and prevent the spread of infectious diseases in Afghanistan – Afghanistan. (n.d.). ReliefWeb. https://reliefweb.int/report/afghanistan/government-japan-commits-us-124-million-provide-life-saving-vaccines-and-prevent

[8] Japan will reconstruct the provincial hospital of Ghor – Afghanistan. (n.d.). ReliefWeb. https://reliefweb.int/report/afghanistan/japan-will-reconstruct-provincial-hospital-ghor

[9] Regional hospital with modern equipment opened in Balkh – Afghanistan. (n.d.). ReliefWeb. https://reliefweb.int/report/afghanistan/regional-hospital-modern-equipment-opened-balkh

[10] ページが見つかりません. (n.d.). ページが見つかりません – JICA. https://www2.jica.go.jp/en/evaluation/pdf/2010_0613471_3_f.pd

[11] ASHIZAWA, K. (2014). JAPAN’S APPROACH TO PEACEBUILDING IN AFGHANISTAN: MONEY, DIPLOMACY AND THE CHALLENGES OF EFFECTIVE ASSISTANCE. Journal of Peacebuilding & Development, 9(3), 1-16. Retrieved August 31, 2021, from https://www.jstor.org/stable/48603496

[12] Bilateral relations/ODA. (n.d.). Ministry of Foreign Affairs of Japan. https://www.afg.emb-japan.go.jp/itpr_en/eng_ODA_index.html

[13] JICA Afghanistan office. (n.d.). JICA – 国際協力機構. https://www.jica.go.jp/afghanistan/english/office/index.html

[14] UNESCO World Heritage Centre. (n.d.). UNESCO and Japan support Afghanistan’s efforts towards removing the Bamiyan Valley from the list of world heritage in danger. https://whc.unesco.org/en/news/2088

[15] JAPAN – UNDP PARTNERSHIP. (n.d.). United Nations Development Programme. https://www.undp.org/sites/g/files/zskgke326/files/2021-06/Japan-partner-brochure-2020.pdf

[16] Major role for Japan in rebuilding Afghanistan: Ex-UNAMA chief. (2020, September 18). The Mainichi. https://mainichi.jp/english/articles/20200918/p2a/00m/0in/009000c

[17] اليابان ترسل طائرة عسكرية لإعادة رعاياها من أفغانستان. (2021, August 23). euronews. https://arabic.euronews.com/2021/08/23/japan-afghanistan-as3

[18] The Yomiuri Shimbun. (n.d.). The Japan news. The Japan News. https://the-japan-news.com/news/article/0007708247?fbclid=IwAR2ERIWANZVCBZvPX3QtGD6HdLvD1-A9BuLeqZXj6RMHFIL6MksNMpDdhSA

[19] Reuters. (2021, August 17). Japan will work closely with ally United States on Afghanistan response -PM Suga. https://www.reuters.com/business/healthcare-pharmaceuticals/japan-proposes-adding-four-regions-covid-19-emergency-minister-2021-07-29/

[20] Blast in Kabul. (2021, August 27). Reuters. https://graphics.reuters.com/AFGHANISTAN-CONFLICT/zjvqkkdqzvx/

[21] Japan mulls withdrawing evacuation forces from Afghanistan by September 1; US says will work till the very end. (2021, August 30). Latest Asian, Middle East, EurAsian, Indian News. https://eurasiantimes.com/japan-mulls-withdrawing-evacuation-forces-from-afghanistan-by-september-1-us-says-will-work-till-the-very-end/

[22] Remarks by President Biden on Afghanistan. (2021, August 16). The White House. https://www.whitehouse.gov/briefing-room/speeches-remarks/2021/08/16/remarks-by-president-biden-on-afghanistan/

[23] U.S. identifies vast mineral Riches in Afghanistan (Published 2010). (2010, June 14). The New York Times – Breaking News, US News, World News and Videos. https://www.nytimes.com/2010/06/14/world/asia/14minerals.html

[24] McDonnell, T. (2021, August 16). The Taliban now controls one of the world’s biggest lithium deposits. Quartz. https://qz.com/2047785/under-the-taliban-what-will-happen-to-afghanistans-minerals/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *