حوار مترجم: إلى أين تتجه تركيا “إردوغان”؟

نقله إلى العربية: شكري الصيفي

المصدر:

?Où va la Turquie d’Erdoga

لقاء مع Didier Billion

بتاريخ 28 أكتوبر 2021

معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس


إلى أين تتجه تركيا “إردوغان”؟

يطرح الباحث الفرنسي ديديه بيون، نائب مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس، مآلات الحالة التركية في ظل النظام الحالي الذي يقوده الرئيس رجب طيب إردوغان، ويرى خلال مقابلة نشرها موقع المركز أخيراً، أن تداعيات مختلفة أبرزها اقتصادية ستكون لها تأثيرات عميقة على مستقبل المشهد السياسي التركي، على المستويين الداخلي والخارجي.

يذكر أن الباحث ديديه بيون، يهتم منذ ثلاثة عقود بالدراسات التركية والشرق أوسطية، وقد نشر منذ فترة التسعينات عدة دراسات، من أهمها كتابه حول السياسة الخارجية التركية وإشكالية الهوية، والدور الجيواستراتيجي لتركيا، وعلاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مؤلفات أخرى حول ملفات شرق أوسطية راهنة. وفي ما يلي نص الحوار كاملاً مترجما عن اللغة الفرنسية:

 

تهديد بإقالة عشرة سفراء، ووضع اقتصادي متدهور، وشعبية متراجعة، عوامل تتضافر لتدفع الرئيس إردوغان إلى وضع غير مسبوق. وقبل عامين من الانتخابات الرئاسية والتشريعية، يبدو مستقبل إردوغان السياسي غير واضح المعالم. فهل سيتمكن من البقاء في السلطة؟ وهل المعارضة قوية بما يكفي لإلحاق الهزيمة به؟ هذا ما سوف يبينه لنا الدكتور ديدييه بيون نائب مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس في الحوار التالي:

س: ما هو الوضع الاقتصادي في تركيا؟ وما هي التفسيرات التي يقدمها إردوغان؟

ج: الوضع الاقتصادي سيء للغاية اليوم. تعاني تركيا من ارتفاع حاد في معدل التضخم، والذي يناهز 20 بالمئة، وهو أمر مستجد في تركيا لم يحدث منذ فترة طويلة، وذلك ينعكس سلبا على فئات اجتماعية واسعة، ما ينذر بحدوث اضطرابات سياسية واجتماعية. خاصة أن نسبة البطالة في البلاد وفقا للأرقام الرسمية تبلغ حوالي 15 بالمئة من السكان العاملين، ويرجح أن تكون فعلياً نسبتها أعلى. ووفقاً للمعطيات نعلم أن تركيا لديها اقتصاد غير رسمي ذو حجم مهم ، لذلك فإنه عند إدماج العمال الموسميين والباحثين عن عمل، فإن معدل البطالة سيرتفع إلى حوالي 28 بالمئة. أخيرًا، انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، تراجع من 12000 دولار في عام 2013 إلى أقل بقليل من 9000 دولار في عام 2020. وهو ما يؤشر إلى أن الوضع الاقتصادي التركي مثير للقلق.

بالإضافة إلى القيود الخارجية الشديدة التي تُثقل كاهل الدولة، لا سيما ما يتعلق بتوريد المحروقات ومشتقات البترول التي تكبل البلاد، فإن هذا الوضع يزداد سوءًا بسبب القرارات السياسية المُتخذة، بسبب تدخل الرئيس إردوغان في هذا المجال معتبراً نفسه كبير الاقتصاديين، مُتخذًا سلسلة من القرارات الفردية، أبرزها إقالة نواب مديري البنك المركزي، الذي يعد مؤسسة غير مستقلة عن السلطة التنفيذية، كما تم خفض سعر الفائدة الرئيسي، مما أدى إلى تراجع قيمة الليرة التركية بشكل حاد. إردوغان للهروب من المسؤولية كثيراً ما يلقي باللوم على أطراف سياسية أخرى. فقد هاجم مؤخرًا محلات السوبر ماركت التي تفرض أسعارًا مرتفعة، كما هاجم أيضًا، من أطلق عليهم “قوى الظلام التي تريد إضعاف تركيا” ، أو “لوبي أسعار الفائدة”.

تبعاً لكل هذه المعطيات تواجه تركيا فعلياً موقفاً صعباً، حيث ترى فئات عديدة من المواطنين الأتراك، الذين يواجهون صعوبات متزايدة لتغطية نفقاتهم المعيشية، أن السلطة السياسية بقراراتها المرتبكة تزيد من مشاكلهم.

كيف يؤثر هذا الوضع الاقتصادي على الحياة السياسية في تركيا قبل عامين فقط من الانتخابات الرئاسية والتشريعية؟

يرتبط الوضع السياسي في تركيا إلى حد كبير بالظرفية الاقتصادية. اليوم بات واضحاً أن الرئيس التركي لم يعد بإمكانه إقناع جميع ناخبيه بأن الأمور ستكون أفضل خلال الفترة المقبلة. نتذكر أنه كانت هناك ظروف ملائمة لإردوغان في السنوات الأولى التي كان فيها في السلطة والتي بشَّر خلالها بآفاق مزدهرة للبلاد، لكن هذه الرؤى باتت في حكم التاريخ. من الناحية السياسية ، يمثل هذا تحدياً مفصلياً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

في الواقع ، تُرجح استطلاعات الرأي حصول حزب العدالة والتنمية على حوالي 30 بالمئة من نوايا التصويت، وهي نسبة بعيدة كل البعد عن النسب التي حصل عليها إردوغان خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2018، عندما فاز في الجولة الأولى بحوالي 53 بالمئة من الأصوات. ولتجاوز هذا الضعف والتراجع الواضح يجب أن يعزز إردوغان تحالفه مع حزب العمل القومي، وهو حزب يميني متطرف مناهض للأجانب، ترجح استطلاعات الرأي حصوله على حوالي 10 بالمئة من نوايا التصويت.

ويبدو التحدي الأكبر خلال الانتخابات المقبلة مُتعلقاً بالمعارضة، التي ستتاح لها فرصة غير مسبوقة لإلحاق الهزيمة بإردوغان، بعد أكثر من 20 عامًا من حكمه المتواصل. ويبدو تمكنها من هذا الانتصار رهين قيامها بتشكيل جبهة مشتركة، تتكون من الحزب الكمالي، وحزب الشعب الجمهوري، والحزب اليميني الواقع في يمين الوسط. 

وقد شكلت فعلياً هذه الأحزاب تحالفاً انتخابياً خلال الانتخابات البلدية لعام 2019، ومكنها ذلك من الفوز بعدد من المدن في البلاد. نتذكر على وجه الخصوص كيف هيمن حزب الشعب الجمهوري على العاصمة أنقرة، وعلى اسطنبول نفسها معقل حزب العدالة والتنمية والتي تحمل رمزية كبيرة لإردوغان نفسه. 

حالياً تقدر استطلاعات الرأي حصول المعارضة على 39 بالمئة من نوايا التصويت، وبالتالي فهي على نفس خط السباق مع التحالف الذي يقوده إردوغان. وبالتالي فإنها تواجه تحدياً رئيسياً يتمثل في تمكنها من توسيع ائتلافها ليشمل أحزاب معارضة صغيرة أخرى، وضمها إلى جبهة معارضة أصبحت في طريقها نحو الاكتمال و في طريقها إلى التبلور، فقد تم إنشاء منصة تجمع أربعة أحزاب إضافية، وهو ما سيمكن المعارضة من الفوز على رئيس بات رصيده يتآكل بشكل متزايد.

تتفق أحزاب المعارضة بشكل ملحوظ على مشروع إصلاح دستوري يهدف إلى إعادة النظام البرلماني. إذ منذ الانقلاب الفاشل عام 2016 مرَّر إردوغان، من خلال استفتاء شعبي عام 2017، نظاماً رئاسياً يمنحه سلطات موسعة. على وجه الخصوص، ألغى منصب رئيس الوزراء وبالتالي فهو في نفس الوقت رئيس الدولة ورئيس الحكومة وزعيم حزب الأغلبية في البرلمان.

نقطة أخرى ذات خصوصية تميز المشهد السياسي التركي تتعلق بقانون الحاجز الانتخابي بنسبة 10بالمئة، ويعد هذا البند الانتخابي، الذي دخل حيز التنفيذ بعد الانقلاب العسكري عام 1980 “جائراً”، إذ بسببه لا تنجح الأحزاب الحاصلة على نسبة تصويت أقل من 10 بالمئة في الانتخابات التشريعية في دخول البرلمان. المفارقة ان من يحصل على 10.01 بالمئة من الأصوات يحصل على تمثيل نيابي مناسب. وقد مكّن هذا القانون حزب العدالة والتنمية عام 2002 من تحقيق 65 بالمئة من التمثيل البرلماني بنسبة لا تتجاوز 34 بالمئة من الأصوات المصرح بها، وبالتالي فقد استفاد حزب إردوغان من تشرذم أصوات الأحزاب الأخرى. نفس هذا القانون قد ينقلب عكسياً في ظل الوضع الراهن، ليصبح  حزب العدالة والتنمية هو المتضرر منه. وبالتالي فإن هذا القانون، الذي تجرى عليه تعديلات حاليًا، يُعد أحد التحديات الرئيسية خلال الفترة القادمة.

تم مؤخراً تهديد عشرة سفراء بالطرد من تركيا من قبل اردوغان بتهمة التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. ما هي رمزيات هذه الأزمة وأبعادها ؟

تشهد تركيا حالياً وبشكل ملحوظ أجواء استقطاب شديدة. ومع ذلك، ليس هناك سيناريوهات معدة مُسبقاً، كل ما في الأمر أن إردوغان كزعيم سياسي يسعى لاستخدام كل الوسائل للبقاء في السلطة.

بالعودة إلى السؤال ، أصدر عشرة سفراء بالفعل بيانًا مشتركًا في 18 من شهر أكتوبر الماضي طالبوا فيه بمحاكمة عادلة وإطلاق سراح عثمان كافالا، ويعد هذا الأخير شخصية مؤثرة وقد وضع جزءاً من ثروته لحل عدة قضايا في الساحة التركية، ويقبع في السجن منذ أربع سنوات. ويعد كافالا رجل حوار، مؤيداً للمصالحة مع الأرمن، ومدافعاً عن حل سياسي للمسألة الكردية. كما أنه يتبنى طروحات مناقضة لما يمثله إردوغان، ويبدو أن هذه الرمزيات السبب الرئيسي لمكوثه في السجن دون قرائن ودلائل ملموسة تدعم الاتهامات الموجهة له.

ورداً على البيان الصحفي الصادر عن السفراء العشرة، ندد الرئيس التركي بالتدخل في شؤون العدالة وأعلن أن موقعي البيان أشخاص غير مرغوب فيهم. لكن يبدو أن حلاً وسط توصل له الطرفان ولم يتم طرد السفراء كما أعلن إردوغان.

في ظل الاستقطاب الحالي، من المتوقع أن تشهد تركيا المزيد من الحالات المماثلة التي يهدف إردوغان من خلالها إلى محاولة وقف نزيف قاعدته الانتخابية، من خلال التلويح بالوطنية لتوحيد صفوف أتباعه.

من جهتها، نددت الصحافة المعارضة، مؤخرًا ، بمؤسسة الشباب التركي التي يقودها نجل الرئيس التركي بلال إردوغان، لحفاظها على علاقات وثيقة مع الطرق الدينية، ووضع أعضاء منها في مناصب ضمن أجهزة الدولة. في المحصلة، الجو العام في تركيا يبدو متوتراً خاصة مع تزايد الشائعات حول تفشِّي الفساد داخل منظومة السلطة.

وفي ظل هذه الأوضاع المتأرجحة يفصل تركيا عن الانتخابات 18 شهرًا. ويعتقد العديد من المراقبين أن الرئيس التركي قد يواجه العديد من المشاكل القانونية إذا تعرض للخسارة. لهذا السبب ستكون الأشهر المقبلة مفتوحة على جميع الاحتمالات. كما أن نتيجة هذه الانتخابات ستعتمد على قدرة المعارضة على الخروج بمشروع موحد وبديل قادر على فتح آفاق جديدة لتركيا. وفي حال فوز المعارضة فستكون مهمتها ومسؤوليتها صعبة لأنها يجب أن تكون مستعدة لإعادة بناء شاملة في عديد المجالات، من ضمنها الجانب السياسي وتحديداً الرئاسي.

أخيراً، يجب أخذ دور الجيش بعين الاعتبار، خاصة في أعقاب الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، فقد شهدت المؤسسة العسكرية عملية تطهير واسعة النطاق، على سبيل المثال، تم دفع 45 بالمئة من الجنرالات إلى التقاعد المبكر. وإذا تمت هذه العملية في هدوء خلال هذه المرحلة، فإن هذه المؤسسة قد تعرف إعادة تنظيم في فترة لاحقة مع التطورات القادمة. خاصة وأن وزير الدفاع الحالي ، ورئيس أركان الجيش السابق زمن انقلاب عام 2016 يعد رجل سلطة نجح في إعادة هيكلة الجيش من خلال تنفيذ سلسلة من التعيينات. المؤكد ان دورالجيش سيكون حاسماً في عام 2023 بغض النظر عن الفائز في الانتخابات المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *