اتفقت كل من إيران والسعودية على استعادة العلاقات الدبلوماسية ومباشرة عمل سفارتيهما في البلدين في غضون شهرين حسب ما نقلته وسائل الإعلام، وهذا ما يشكل تطوراً ملحوظاً في العلاقة بينهما والتي شهدت احتداماً بين المتنافسين الإقليميين منذ سنوات عديدة، وقد تمظهر هذا الاحتدام في قطع العاصمة الرياض للعلاقة مع طهران في سنة 2016، بعد أن قام مجموعة من المتظاهرين الإيرانيين بالدخول عنوة إلى مراكز دبلوماسية، وبالمقابل تبع ذلك إعدام أكاديمي بارز ذو أصول شيعية، إضافة إلى دعم كلا الجانبين لأطراف صراع في الشرق الأوسط على غرار اليمن، حيث تلقى الحوثيون الدعم من طهران، بينما قامت السعودية بقيادة تحالف عسكري دعمت به الحكومة، إلا أنّ الطرفان قد أظهرا سعياً جدياً لتحسين الروابط بينهما.
البيان المشترك الصادر من قبل السعودية وإيران أعرب عن احترام سيادة الطرفين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، كما نص أيضاً على إعادة إحياء اتفاق التعاون الأمني الموقع في سنة 2001. و هذا البيان جاء مزامناً لتولي الرئيس الصيني شي جين بينغ العهدة الثالثة، وسط العديد من التحديات، لكن ذلك لم يمنع حضور الاتفاق أهم ممثل دبلوماسي صيني ومشاركته الفعالة في المحادثات، ما يكشف عن اهتمام الصين بدعم الاستقرار والسلام في المنطقة، وتعزيز شرعية التواجد.
وقد تمّ الترحيب بالاتفاق في إيران، حيث اعتبره كبار المسؤولين خطوة للتقليل من حدة التوتر، وتعزيز الأمن الإقليمي، بينما ركزت بعض قنوات الإعلام المحافظة على كيف أنّ الاتفاق يشير إلى تراجع هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في المنطقة. فقد رحبت الولايات المتحدة بحذر بالاتفاق ، وصرحت بدعمها لكل مجهود من شأنه إنهاء الحرب في اليمن، وإنهاء تصاعد التوترات في الشرق الأوسط. أمّا العراق وعمان فقد ساعدا من قبل في الوساطة في المحادثات بين الطرفين، كما رحبا بتفاؤل بهذا التقارب.
تحسن العلاقات بين طهران والرياض من شأنه التأثير على السياسات في الشرق الأوسط، خاصة في لبنان وسوريا اللذين يعتبران بلدان متنافسان. وهذا الاتفاق سيعزز الوضع الأمني في المنطقة، وقد أشار المحللون السياسيون إلى أنّ تقليل حدة التوتر في اليمن، ولبنان، وسوريا، والعراق قد يستلزم اهتمام واسع النطاق من كلا الجانبين. بيد أنّ تحقيق النجاح يتطلب بذل كلا البلدين جهوداً طويلة المدى ومستمرة لتجربة وسائل معتمدة وبإمكانها ضمان المصالح المتبادلة. وبينما تعد إعادة بعث العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية خطوة مهمة ومعتبرة بالنسبة للمنطقة، فإنّه من المهم التنويه إلى أنّ السعي لإنهاء الحرب في اليمن والتي امتدت لثمان سنوات يعتبر أهم نتيجة محتملة لهذا الاتفاق.
سيكون هذا الهدف صعب التحقيق نوعاً ما نظراً للمستوى الملحوظ من الشك واللاثقة والتنافسات الجيوبوليتيكية المحتدمة، والتي من الممكن أن تبطل نوايا السلام للطرفين وتعكس الموازين. وإجراء التعاملات الاقتصادية بنوع من التحفظ مع إيران يعد أمراً متوقعاً من طرف المملكة العربية السعودية، طالما أنّها لا تريد أن تقع تحت وطأة العقوبات الأمريكية، كما أنّ تطبيع العلاقات بين الطرفين لا يعني أنهما يثقان ببعضهما البعض.
استرجاع العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة السعودية من المفترض أن يكون له أثر بائن على المستويين الوطني والدولي، وكما أنّه سيسهم في تقليل حدة التوترات، وفي تعزيز التعاون في مجالات عدة على غرار التجارة، والأمن، والطاقة، فإنّه لايزال هنالك قضايا متجذرة ليس من السهل حلها. وقد دعم كلا البلدين الأطراف المتعارضة في الصراعات في أقاليم عدة في الشرق الأوسط، إلى جانب التجاذبات والتوترات الدينية والجيوبوليتكية.
ويمكن لشرائح من مجتمعي كلا البلدين النظر لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين من منظور مختلف. على المستوى الدولي، من المحتمل أن يسهم الاتفاق في التقليل من حدة التوترات، وإرساء الاستقرار والأمن، وزيادة تأثير الصين في المنطقة، وسيكون له أيضاً أثر على بعض الدول التي لها مصالح في الشرق الأوسط بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. وفي النهاية، فإنّ أثر استعادة العلاقات بين الطرفين محكوم بالخطوات التي سيقوم بها الطرفان من أجل إدامة السلام والاستقرار.
ويعد موضوع الطاقة مسألة حيوية بالنسبة للشرق الأوسط، فقد زار المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران والتقى بمسؤولين ساميين لمناقشة تعزيز التعاون وحل مسائل الضمانات المعلقة، واتفق كلا الطرفين على التعاون، ومعالجة القضايا المتعلقة بثلاث مواقع، والسماح بأنشطة التفتيش والرصد الطوعية. وسيتم الاتفاق حول آليات القيام بهذه الأنشطة في لقاء تقني في طهران، ومن شأن الانخراط الإيجابي الدفع إلى توسيع أطر الاتفاق بين الأطراف الداخلية، وهو ما سيؤدي بدوره إلى التقليل من حدة التوتر حول الملف النووي الإيراني. وفي الختام، فإنّ تجسيد هذا الاتفاق على أرض الواقع سيساعد على إدامة السلام والأمن في الشرق الأوسط.
المقال الأصلي:
Nimra Javed, Iran-Saudi Deal: Prospects for the Region, Modern Diplomacy, March 23, 2023