في يوم 18 ابريل 2014 أًعلن من مدينة حلب السورية عن تأسيس كتيبة ابو النور المقدسي وتضم في صفوفها مجموعة من شبان قطاع غزة الملتحقين بصفوف تنظيم الدولة الاسلامية داعش، وأعلنوا في بيانهم الاول المبايعة لرئيس التنظيم أبو بكر البغدادي وأرسلوا رسائل التكفير والوعيد الى حركة حماس.
في قطاع غزة شهدت تلك الفترة حملات أمنية عاجلت بها الاجهزة الامنية التابعة لحركة حماس وطالت الكثير من أفراد التنظيم أو ما يعرفوا بالسلفية الجهادية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحملات الأمنية عموما لم تجدي نفعا بالقدر الذي يسبب تراجع التنظيم على أرض الواقع وهو ما خبرناه في حملات سابقة.وإن كانت حركة حماس قد أكدتفي تصريحات سابقة على لسان الناطق باسمها سامي أبو زهري عدم وجود لداعش في غزة، حيث قال ” لا يوجد شيء اسمه داعش في غزة، ولا يوجد أي مؤشر على وجود هذا التنظيم هنا”.
منذ فترة ليست بالبعيدة تعالت الاصوات عن نمو حالة التنظيم واقتراب لحظة الصدام المباشر مع حركة حماس واجهزتها الامنية،ففي التاسع عشر من كانون الثاني/يناير 2014، قام مناصرو “داعش”، (نحو مائتين من الشبان) بالخروج في مسيرة علنية جابت شوارع مدينة غزة الرئيسية، في ظهور علني لأول مرة.
لكن واقع الحال يشير بوضوح إلى تراجع حدة تلك الاصوات ومن احد الدلائل على ذلك منذ صدور البيان الاول لتنظيم الدولة في غزة والذي وجه فيه تهديدات مباشرة لعدد من الناشطين اجتماعيا والمثقفين الغزيين لم يستطع تنفيذ وعيده بحق أي منهم ولم تصدر بيانات أخرى علما أن التنظيم في ذلك الوقت بدأ يظهر كالخارج من حالة الكمون إلى العلنية إلا انه شهد تراجع في اثبات وجوده وعاود كمونه مجددا، وافضل ما يمكن وصف حالته الراهنة انه يعيش حالة تشظي أقرب إلى البؤر المنفصلة.
هذه الحالة للتنظيم ترجع إلى عدة اسباب أهمها ضيق الحيز الجغرافي في قطاع غزة والذي لا يسمح بتمدد التنظيم والسيطرة على جيوب جغرافية بأكملها بمعنى آخر لا يوجد في قطاع غزة مناطق ينطبق عليها مفهوم الهوامش بسبب بعدها عن المراكز المدنية.
من الاسباب الأخرى الهامة حيادية التنظيم تجاه حالة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي حيث لم تشهد لتنظيم الدولة او حتى عناصره منفردين وهي حالة مثلت على الدوام موضع ادانة مجتمعية للتنظيم بل على العكس لم ينفك أن يبني وعيده إلى القوى السياسية الفلسطينية باعتبارهم من يستحق الخروج عليهم وجهادهم.
ففي ظل حروب اسرائيل الثلاثة على قطاع غزة وتصاعد الهبة الجماهيرية في الضفة الغربية تتلاشى فرص الاقناع أمام التنظيم جماهيريا وهي أحد الخصوصيات التي يواجهها تنظيم الدولة في الاراضي الفلسطينية دون غيرها من الدول الأخرى.
فقد أشار الصحافي محمد دراغمةالمختص في شؤون الحركات الإسلامية في تصريحات صحافية، إلى أن القدس ليست من أولويات داعش، وكما هو معروف في نقاشات هذا التنظيم وأدبياته الأولوية إقامة “الدولة” في الدول المحيطة في فلسطين. (3)
يضاف إلى تلك الاسباب هجرة العديد من الملتحقين بالتنظيم في قطاع غزة إلى الدول التي ينشط فيها التنظيم كالعراق وسوريا تاركين ورائهم حالة قاصرة للتنظيم على صعيد القيادة مدركين على ما يبدو جملة الاسباب التي تعيق فرص نمو التنظيم في قطاع غزة. وأخيرا من الاسباب المهمة والتي تتجاوز البعد المحلي الصورة العامة لتنظيم الدولة والتي باتت سائدة سواء في ممارسات الاعدام الجماعي وبالطرق الوحشية إضافة إلى سبي الفتيات والسلب للمواطنين وللمؤسسات.
في المشهد الاعلامي ما يعيد الى الاذهان في قطاع غزة الصدام المسلح بين مجموعة سلفية وقوات أمن حركة حماس عام 2009 وما أسفر عنه من ضحايا من الجانبين بما شكله من تهديد للسلم المجتمعي. واذا ما افترضنا ان غياب المنظر/ الزعيم لتنظيم داعش في قطاع غزة اضعف حالة الجذب تجاه مركز محدد فإن التنظيم الدولي لداعش لم يستطيع أن يتوجه بخطوات عملية لبناء تنظيمه في قطاع غزة أحد أهم تلك العقبات أمامه كانت مرتبطةبالوضع الجيوسياسي لقطاع غزة واقصى ما قدمه استيعاب العناصر المهاجرة اليه من قطاع غزة.
ومن الامور الهامة في ذات السياق طبيعة المكون الاجتماعي في قطاع غزة في ظل غياب تام للأزمات الطائفية والقبائل ذات الكتل البشرية الضخمة والمتناحرة والادوار السياسية المفصلية لها. والاهم من ذلك الانقطاع الجغرافي حيث سيناء مصر جنوبا باتت تتضاءل فرص الحركة للقوى السلفية نتيجة حملات الجيش المصري هناك، اضافة الى غياب حاضنة اجتماعية فاعلة يمكن أن يستند عليها التنظيم كداعم ومؤازر له في نشاطهوفي استطلاع للرأي نشره “المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي” أجري في آب 2014، ويشمل عينة عشوائية مكونة من 1000 شخص يمثلون نماذج سكانية من قطاع غزة، أعمارهم 18 عاماً فما فوق، جاء فيه أن (85.2%) من الجمهور الفلسطيني يعارضون “داعش”. (1)
ملامح الصورة العامة تلك للتنظيم في قطاع غزة من الواضح انها لا تعزز فرص الاستثمار الداعشي في الحالة الفلسطينية ما يجعلها في النهاية محاولات محدودة.
ومن الأهمية في مراجعة حالة التنظيم في قطاع غزة أن نبحث عن ضرورات تواجده من الاساس، فهل هي حالة فكرية أيديولوجية؟أم أن هناك وقائع دافعة تجاه فكره الموسوم بالتطرف؟
ولا تنفك حالة التقدم والانحسار للتنظيم في غزة عن حالة التراجع العامة للتنظيم في الاقليم فحالة الصعود التي ظهر فيهاالتنظيم في أوقات سابقة شكلت معزز قوي لانضمام الشباب إليه، إلا أن واقع الحال لم يستمر نتيجة لعدة تراجعات شهدها حال التنظيم ولعل أهمها كما حددها الكاتب زهير حمداني في تقرير لقناة الجزيرة الاخبارية (2) الاعلان السابق عن مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي وقبله أبو محمد الجولاني وعمر الشيشاني، وخسارته للأراضي المسيطر عليها وتضاؤل حيزه الجغرافي وكذلك خسارته للكثير من مصادر التمويل.
من الناحية العملية نستطيع القول أن وجود داعش في قطاع غزة لم يتطور كتنظيم واقعي على الارض، وإن كنا لا نقلل من الحالة العنقودية للتنظيم في قطاع غزة القائمة على انصار ومعتنقين هنا وهناك دون روابط تنظيمية كتلك المعمول بها داخل أي تنظيم سياسي وعليه فإن الحالة الداعشية في قطاع غزة تزامنا مع التراجع العام لوضع التنظيم اقليميا السالف ذكرها يسير في تراجع وانحدار وإلى جانب الفرص التي يمكن أن يتيحها اتفاق المصالحة اذا ما نجح وتكرس على أرض الواقع وتم تنفيذ الشق التنموي المتفق عليه وشكل حالة صعود لمكونات المجتمع الفلسطيني خاصة الشباب منهم فإن تضاؤل الفرص يصبح أكثر واقعيا أمام التنظيم لايجاد اتباع جدد.
هوامش:
١. محمود فطافطة أين داعش من فلسطين صحيفة الحدث 28 1 2017
٢. هل سينتهي تنظيم الدولة في سوريا والعراق؟ قناة الجزيرة الفضائية 2/4/2017
٣. داعش في فلسطين.. ‘مقاومة’ أم إرهاب!2017/01/11 صحيفة العرب اللندنية
مشكورون