الزميلات والزملاء أعضاء المؤتمر المحترمون
السيدات والسادة الحضور المحترمون
أهديكم أجمل تحية
يسرني بادئ ذي بدء أن أرحب بكم جميعا باسم المركز الأوربي لدراسات الشرق الأوسط متمنيا لمؤتمرنا النجاح لنسلط الضوء على واحدة من أهم القضايا العربية المعاصرة، وهي راهن ومستقبل الديمقراطية.
حيث يعد مسار التحولات السياسية في المنطقة العربية من أهم القضايا المطروحة للنقاش لما تمثله من أهمية في تكريس الشكل المستقبلي للأنظمة السياسية، التي ستحكم المنطقة العربية على المديين المتوسط والبعيد، والذي سيحكم سياسات تسخير المقدرات الاقتصادية وتكريس قيم السلطة الجديدة لتتمكن من خلال القدرات الاقتصادية والاجتماعية والمنظومة القيمية من إنتاج الفئات والطبقات الاجتماعية الحاضنة لها على مدى ليس بالقصير، وإعادة إنتاج نفسها.
حيث شهدت المنطقة العربية تغييرات كبيرة في البنية السياسية، كما تنوعت بأشكال وبمستويات استخدام العنف فيها، وارتبط الحجم المتزايد للعنف بطبيعة السلطة القائمة وهامش الحريات السياسية التي من الممكن استخدامها للتعبير عن الاحتجاج وتغيير السلطة دون اللجوء للعنف.
فتصدرت التيارات الدينية المشهد السياسي لتكون حاضرة كبديل عن الأنظمة القمعية بعد ان استطاعت ان تنجز خلال السنوات الماضية تغييرات بتقبل مبدأ الديمقراطية وان تكون الحاكمة للشعب وليس الله، والتي هي أحياناً تغييرات فكرية، خلاصة لدروس ومآسي الماضي، او تغييرات تكتيكية في أحيان أخرى، مرحلية للوصول للسلطة. من جانب أخر أمست القوى اليسارية والمدنية والليبرالية تراوح في مكانها على مختلف الأصعدة الفكرية والسياسية والتنظيمية.
تصدر الحركات الدينية للمشهد السياسي في مختلف البلدان التي طالتها رياح التغيير أدى لهيمنتها على السلطة، بالتزامن مع توطيد قوى فساد والبيروقراطيات لنفوذها في مختلف مؤسسات الدولة منذ عقود، واستغلت هذا المشهد العربي المضطرب لتعزيز قوتها. مما دفع بالكثير من القوى الاجتماعية التي تتوق للحرية السياسية للقبول بنظام شبه استبدادي يضيق على الحريات على أن تهيمن القوى الدينية على المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي، هذا المنعطف يعكس أزمة قيمية وسياسية حقيقية كان يجب الوقوف عندها، فهي ليس انحرافا بقدر ما عقد الواقع السوداوي الموقف بغياب دليل نظري حيوي قادر على تفسير الواقع المتجدد فأصبح فيه الانتحار هو الخيار للخلاص من الموت. وكأن الواقع العربي بات متطابقا مع ما قاله شاعر العراق الكبير مظفر النواب بقوله “قتلتنا الردة… قتلتنا الردة… ان الواحد منا في داخله يحمل ضده.”
النظام السياسي بجميع مكوناته من سلطة وقوى سياسية وقوانين يعد تجلً للبناء الاقتصادي والاجتماعي، وتعبيرا عن توازنات القوى والطبقات الاجتماعية والتحالفات فيما بينها، فكانت كل التغييرات التي عصفت بالمنطقة العربية على مدى عقد هي تغييرات بشكل السلطة السياسية، لم تلامس البناء الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات العربية، لذلك فقد استطاعت نفس القوى الاجتماعية إعادة تقديم نفسها للمسرح السياسي بصيغ وأشكال سياسية مختلفة.
إن مأزق التحول الديمقراطي في المنطقة العربية يكمن بغياب او ضعف على اقل تقدير الحاضنة الاجتماعية للديمقراطية، فالديمقراطية في المنطقة العربية ما زالت رغبة نخبوية للفئات المثقفة المتنورة وذلك يعود بالأساس لنبط الإنتاج الاقتصادي الريعي وشبه الريعي من جهة، والمشوه الذي تسيطر عليه البرجوازية البيروقراطية والطفيلية من جهة أخرى.
السيدات والسادة الحضور
لقد حرصنا أن لا يكون مؤتمر المركز الأوروبي الدولي الثاني: “الآفاق الجديدة لمسار التحولات السياسية: راهن ومستقبل الديمقراطية في المنطقة العربية” طرحاً نظرياً رماديا أمام الحياة المخضرة، وان يكون التزاما منهجيا، وفي ذات الوقت ان يكون أداة لتفسير الواقع وليس هدفا نسجن الواقع فيه، فعلى مدى أشهر تبلورت رؤية المؤتمر الفكرية وتجسدت بعنوان المؤتمر ومحاوره والتي روجعت وقيمت من العديد من الخبراء والمختصين.
أسئلة وإشكاليات مختلفة سيطرحها المؤتمر، حيث سيتم إلقاء الضوء على مجمل التحديات التي تواجه إنجاز تحولات ديمقراطية ذات مسار وطني ومواطني في المنطقة العربية.
أتمنى لنا جميعا مؤتمرا ناجحا نناقش فيه بحوثاً ودراساتٍ على مدى يومين لنثري ما قدمه الباحثون بالمناقشات ولنساهم جميعا في إنجاح هذا الجهد
كما أقدم جزيل شكري لكل من عمل بتفانٍ من الأساتذة الباحثين المشاركين والمحكمين والمنظمين وكل من عمل معنا من اجل ان يرى هذا العمل النور..
11 أذار 2022