حوار خاص مع السياسية العراقية شروق العبايجي – الجزء الثاني

أجرى الحوار/ كيرلس عبد الملاك

أجرت منصة رؤى شرق أوسطية حواراً مع المهندسة شروق العبايجي، العضو السابق في البرلمان العراقي، والأمينة العامة للحركة المدنية الوطنية في العراق، وقد تناول الحوار  الوضع السياسي في دولة العراق في ظل التطورات التي لحقت بها منذ اندلاع انتفاضة تشرين حتى اليوم. وقد تم نشر الجزء الأول من الحوار في اليوم الموافق 16 من شهر يناير الماضي.

وها هو الجزء الثاني من الحوار:

– ما هي الفئات والطبقات الاجتماعية الحاضنة للقوى المدنية وكيف يمكن تنظيم حضورها على المسرح السياسي العراقي لإحداث تغييرات سياسية منشودة؟
– تعتبر الطبقة الوسطى في العراق هي الحامل الرئيسي لكل القيم والممارسات الاجتماعية المدنية، واستمر تأثيرها حتى بعد انهيارها كطبقة ذات امتدادات واضحة في الاقتصاد والثقافة والسياسة وغيرها. وتتمثل المظاهر المدنية في العراق في مختلف الممارسات والعادات والتقاليد والمفاهيم المتداولة بشكل طبيعي بين الناس خصوصاً فيما يتعلق باحترام الخصوصيات الدينية والقومية والانفتاح على الفنون والثقافة والمبادرات المجتمعية ذات الطابع المدني الرافض للتقوقع الديني أو المذهبي.
برز دور المجتمع المدني بشكل سريع في الحياة اليومية والعامة بعد 2003 كبديل أو كحامل للقيم والممارسات المدنية حتى في بعض المناطق المحافظة أو ذات الطبيعة العشائرية، وقد أصبحت نشاطات المجتمع المدني تشكل الضد النوعي لممارسات الإسلام السياسي حيث وقفت هذه المنظمات المدنية في وجه محاولات أسلمة التشريعات خصوصاً تلك المتعلقة بالأحوال الشخصية وحرية التعبير وحقوق المرأة وغيرها، كما وقفت ضد الكثير من الممارسات المجتمعية المتخلفة بحجج الدين والأعراف مثل زواج القاصرات والعنف الأسري وغيرها.
أما على الصعيد السياسي فلم تظهر القوى المدنية بمسمى سياسي واضح إلا في انتخابات عام 2014 متمثلة في التحالف المدني الديمقراطي، الذي تم تشكيله لأغراض انتخابية دون وضع خطوات عملية لتحويله إلى إطار سياسي تنظيمي واضح الرؤية والإستراتيجية للمطالبة بالدولة المدنية المتمثلة بالدرجة الاساسية في المواطنة المتساوية لكل العراقيين والعراقيات دون أي تمييز، وتطبيق العدالة الاجتماعية بشكل صحيح، وسيادة القانون وحقوق الإنسان.
وعلى الصعيد الجماهيري ظهرت هذه المطالب بقوة في احتجاجات عام 2015، وتصاعدت أكثر في انتفاضة تشرين، التي طالبت بوطن ودولة مدنية ذات هوية وطنية عراقية فوق كل المسميات الفرعية الأخرى، مع ضرورة احترامها ووضعها في مكانها المناسب.
وبهذا يعتبر الشباب المحتج القوة الأساسية لترسيخ المدنية على الصعيد الاجتماعي والسياسي حيث قامت ثورة تشرين بتحريم كل الأجندات الطائفية المغلفة والمباشرة، وفرضت ذلك على القوى السياسية الحاكمة التي غيرت أقنعتها ولغتها السياسية (شكلاً فقط بدون مضمون حقيقي) كي تتماهى مع مطالب فئات الشعب المختلفة، في ترسيخ الدولة المدنية وركائزها الأساسية.

– كيف تري نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة؟ وهل هناك بالفعل ما يدعو للتشكيك في هذه النتائج؟
– أفرزت الانتخابات الأخيرة التي نُظمت في عام 2021 استقطابات سياسية قديمة وجديدة في المشهد السياسي العراقي، فمن ناحية بقيت نسبة المعارضين والمقاطعين للانتخابات عالية كما كانت في عام 2018 حيث بلغت نحو 80%، ولكن النتائج بين القوى السياسية التقليدية تغيرت بشكل واضح، فبرزت قوى سياسية شبابية كحركة امتداد والكثير من المستقلين المحسوبين على انتفاضة تشرين، وأيضا حصل انقسام حاد داخل القوى السياسية التقليدية، خصوصاً الشيعية حيث كان الفارق كبيراً بين التيار الصدري الذي يرفع شعار الأغلبية الوطنية لتشكيل حكومة عراقية لا شرقية ولا غربية، وبين القوى ذات الطابع المسلح الولائي لإيران التي منيت بخسارة واضحة .
تحاول القوى السياسية المتنفذة استخدام كل الأساليب للتأثير على نتائج الانتخابات لصالحها حيث كانت نتائج انتخابات عام 2014 معدة مسبقاً بالتفاوض مع التحالفات الانتخابية، ضمن صفقات متفق عليها ومبالغ طائلة دفعت لتحديد عدد المقاعد أو لصعود أشخاص محددين ضمن هذه التحالفات. أما انتخابات عام 2018 فظهر فيها التزوير الفاضح وشراء البطاقات الانتخابية واحياناً مراكز انتخابية كاملة خصوصاً في مناطق النازحين وانتخابات الخارج والتصويت الخاص بالإضافة إلى استخدام الأساليب الإلكترونية للتلاعب بالنتائج حسب المزاد المعروض لبعض المقاعد وحرق الصناديق وغيرها من الأمور التي شُكلت لها لجان تحقيقية عديدة مع تقديم كل الأدلة المثبتة لفضح وسائل التزوير، ومع هذا لم تتمكن أية جهة من تغيير هذا الواقع، إلى أن هبت انتفاضة تشرين لترفع الشرعية عن الجميع مرة واحدة.
بالنسبة إلى الانتخابات الأخيرة التي نُظمت في تشرين الأول من عام 2021، سميت بالانتخابات المبكرة حيث أتت نتيجة لاستقالة حكومة عادل عبد المهدي أثناء الانتفاضة وسقوط أعداد كبيرة من الشهداء في محافظة ذي قار وتولي السيد مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء مع وعود بإجراء انتخابات مبكرة، وقد تم تشريع قانون للانتخابات مختلف تماماً عن ما سبقه من قوانين معدلة، عن قانون سانت ليغو، بطريقة تخدم الكتل السياسية الكبرى التي استغلت هذا القانون لتمرير من يريدون إلى البرلمان حتى وإن كانت أصواته شبه معدومة، فقد صعدت شخصيات حزبية معروفة إلى البرلمان بأصوات لا تتجاوز المائتين صوت، في حين حُرم من المقعد أشخاصاً حصلوا على آلاف الأصوات، مما سبب موجة غضب عارمة ضد قانون سانت ليغو المعدل.
قام البرلمان بتشريع قانون جديد للانتخابات بصيغة تسمح بانتخاب الأفراد ضمن دوائر انتخابية صغيرة على مستوى القضاء وليس على مستوى المحافظة، وحدد الفائز بأعلى الأصوات في هذه الدائرة تحديداً وليس ضمن قائمة الكتلة الانتخابية، وكان هذا ضمن مطالب ثوار تشرين ولكن تم تحديد الدوائر الانتخابية ضمن مصالح القوى السياسية ومراكز نفوذها، كذلك فإن قانون انتخابات عام 2021 احتوى العديد من المخالفات الدستورية وتم تقديم العديد من الطعون فيه إلى المحكمة الاتحادية، ولايزال النظر فيها جارياً.
ومع كل هذه الطعون والجوانب السلبية في القانون فإن نتائج الانتخابات الأخيرة عكست متغيرات كثيرة في الوعي الجماهيري والشعبي الذي يمكن البناء عليه للانتخابات القادمة بشكل أكثر تنظيماً ووضوحاً. وهناك ارتياحاً عاماً للنتائج بسبب خسارة الجهات السياسية المعروفة بولائها للجمهورية الإسلامية مما غطى على كل جوانب التشكيك في الأخطاء التي حصلت أثناء الانتخابات الأخيرة.

– إلى أي مدى تم تمثيل المرأة في الانتخابات التشريعية الأخيرة في العراق؟ وهل هناك ما يدعو إلى القلق فيما يتعلق بحقوق المرأة السياسية في المستقبل؟
– ثبَّت الدستور العراقي الدائم الكوتا النسائية في البرلمان بما لايقل عن 25% من المقاعد البرلمانية، ولولا هذه المادة التي ناضلنا كثيراً كحركة نسائية عراقية لتثبيتها، لما شاهدنا امرأة واحدة في البرلمان، بسبب التنافس الذكوري الشديد على هذه المقاعد من أجل الحصول على الامتيازات وتقاسم المغانم والسلطة، وليس من أجل خدمة الشعب والبلد. إلا أن هذه الكوتا تم استغلالها بشكل منافي لاغراضها الأساسية، وهي تعزيز التشريعات المساندة للمرأة العراقية والنهوض بواقعها ومعالجات مشاكلها العديدة، فقد تم اختيار نساء (في الأعم الأغلب ما عدا بعض الحالات النادرة) بدون أية خلفية فكرية مساندة لقضايا المرأة العراقية بل على العكس كان العديد من هؤلاء البرلمانيات ذوات عقليات رجعية متخلفة تقف بالضد أمام مصالح المراة العراقية، وهناك من وقفن بقوة ضد تشريع قانون مناهضة العنف الأسري، وهناك من وقفن إلى جانب قوانين رجعية تخص الأحوال الشخصية وتعدد الزوجات وغيرها.
في الدورة التشريعية الثالثة تفاخرت إحدى النائبات من محافظة نينوى بتقديمها مشروع قانون يكافئ الرجل الذي يتزوج أكثر من امرأة، ولكنها قوبلت بالاستخفاف والهجوم من قبل المجتمع المدني والإعلام فلم يُمرَّر مشروعها الرجعي.
بالنسبة لحقوق المرأة السياسية تحديداً فهناك تهميش واضح لدور المرأة في المشهد السياسي وإبعاد لها عن المراكز التنفيذية المتقدمة، وعن مجالات التفاوض السياسي والدبلوماسي، وقد شهدنا تناقصاً واضحاً لعدد الوزيرات في الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 حتى الآن، ولولا ضغوط المجتمع المدني العراقي والحركات الحقوقية النسائية لما تم اختيار نساء لهذه المناصب المتقدمة، وفي كل الأحوال يتم اختيار نساء تابعات إلى الأحزاب المساهمة في المُحاصصة، وليس لكونهن نساء ذوات كفاءات متميزات.

– بما أنك في منصب الأمين العام للحركة المدنية والوطنية في العراق.. ما هو الدور الأبرز الذي لعبته الحركة منذ نشأتها حتى الآن في الساحة السياسية العراقية؟ وما هو الدور المنتظر منها خلال المستقبل في نظرك؟
– تأسست الحركة المدنية العراقية في يوم 4 نيسان من عام 2015، في بغداد، من قبل عدد من الشباب المدني الذي كان يطمح لدور سياسي واضح للتحالف المدني الديمقراطي الذي دخل المشهد السياسي العراقي لأول مرة باسم المدنية في عام 2014 ، وكان هناك تعويل كبير على أن يتحول هذا التحالف، الذي فاز بثلاث مقاعد نيابية، إلى إطار سياسي منظم، ومرجعية سياسية واضحة وقوية للمطالبة بتحقيق ركائز الدولة المدنية، وفي مقدمتها المواطنة المتساوية لجميع العراقيين والعراقيات دون تمييز، ضد المكوناتية التي رسختها أحزاب المحاصصة السياسية، وكذلك العمل على تحقيق سيادة القانون على الجميع، ضد حماية الفاسدين والمجرمين في هذه الأحزاب، وطرح برامح العدالة الاجتماعية التي نُسفت من قبل أحزاب السلطة، تلك الأحزاب التي احتكرت موارد البلاد لمصالحها بالإضافة إلى حقوق الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة وغيرها من الأساسيات التي تم تجاهلها بالكامل من قبل منظومة المحاصصة القائمة على تقاسم المغانم والمصالح الفئوية والحزبية الضيقة.
في خضم هذه المعطيات فإن الحركة المدنية الوطنية ناضلت بشكل كبير لإبراز أهمية بناء الدولة المدنية في مواجهة منظومة سياسية قائمة على الهويات الفرعية بحجة مصالح المكونات الدينية والمذهبية والقومية والمناطقية وغيرها، ولم تكن هذه المهمة سهلة، بل كانت كلمة المدنية تشكل خطراً كبيراً على من يطالب بها، إلى أن برزت احتجاجات صيف عام 2015 والتي هزت أركان المحاصصة حيث طالبت الجماهير بالمدنية والحرية والإصلاح مما أجبر القوى السياسية الحاكمة على تغيير خطابها الطائفي المقيت الذي استخدمته لعقد ونصف للاستهلاك الإعلامي وتصعيد المزاج الطائفي إلى حد المطالبة بالقتل وفق تصريح إحدى النائبات مما أصبح يعرف بنظرية 7×7.
قامت القوى السياسية الحاكمة بمحاولات عديدة لاحتواء القوى المدنية بأساليب مختلفة منها التحالف المباشر معها، مثل تحالف التيار الصدري مع الحزب الشيوعي، وتأسيس أحزاب تابعة لها بمسميات مدنية مثل (الحزب المدني) وهو تابع لأحد أحزاب السلطة، بالإضافة إلى تغيير أسماء الأحزاب الإسلامية إلى أسماء مدنية مثل (المسار المدني)، ناهيك عن محاولات شراء الذمم بمبالغ كبيرة أو بالتهديدات، وغيرها من الأساليب التي تصاعدت خصوصاً في أثناء انتخابات عام 2018 حيث بُذلت الأموال الطائلة للتغطية على القوى المدنية الحقيقية ومنها الحركة المدنية الوطنية، التي بقيت محافظة على هويتها المستقلة ورفضت كل المحاولات لاحتوائها أو مساومتها مهما كانت المُغريات كبيرة.
نحن في الحركة المدنية الوطنية نؤمن بشكل كامل بأن لا حل لمشاكل العراق إلا بترسيخ مبادئ الدولة المدنية الحقيقية، وسنبقى نطالب بذلك مهما كانت المصاعب والمشاكل التي نواجهها خصوصاً ان الحركة مستقلة بالكامل وليس لديها أي دعم من أية جهة كانت سواء داخلية أو خارجية .
نحن نعتمد بالكامل على قدراتنا الذاتية المتواضعة وهذا ما يجعل عملنا صعباً وبطيئاً ولكنه واضح المعالم، ومقدَّر من قبل الفئات الشبابية التي تعلم الظروف التي نمر بها وإمكانية الحصول على الامتيازات المالية وغيرها لو تساهلنا قليلاً في المبادئ التي نتمسك بها، ولكننا أثبتنا في كل المفاصل الهامة بأن مبادئنا هي البوصلة الوحيدة التي توجه عملنا ومواقفنا.
تعمل الحركة المدنية الوطنية على توعية الشباب والمجتمع وأيضاً تستخدم كل الوسائل القانونية والدستورية لكشف ملفات الفساد والخروقات القانونية، وفضح ممارسات المحاصصة مما وفر لها شعبية واسعة ومصداقية كبيرة لا تتوفر لدى بقية الأحزاب والتنظيمات السياسية.

– في رأيك ما هي الحلول الجادة للخروج من الأزمات السياسية في العراق؟
– لا تزال أسباب الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية قائمة بسبب منظومة المحاصصة وفشل الطبقة السياسية الحاكمة في إيجاد حلول وطنية جادة لمشاكل العراق المتراكمة منذ عقود، وليس هناك أي حل يُرتجى من هؤلاء الساسة الفاقدين لكل مؤهل لإدارة بلد معقد مثل العراق والحلول المطلوبة للخروج من هذه الازمات السياسية هي معالجة أسبابها بشكل جذري، فالمطلوب أولاً هو توفر إرادة سياسية وطنية حقيقية للمعالجات خصوصاً في مجال محاربة الفساد الذي التهم موارد الدولة وزاد من معدلات الفقر والبطالة وعطل عمليات التنمية الاقتصادية- المجتمعية.
الأزمة السياسية الراهنة هي الأعقد والأخطر، بعد المصادقة على نتائج الانتخابات وعقد الجلسة الأولى لمجلس النواب، التي انتهت بتمرير أجندة التيار الصدري، وظهور ملامح تحالف واسع بينه وبين تحالف تقدم وعزم، الممثلين سياسياً للمكوِّن السني، مع مباركة كوردية أحادية الجانب من الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة الرئيس مسعود البارزاني، وخلقت هذه الاستقطابات الجديدة بلبلة واضحة في المشهد السياسي العراقي، حيث اعتادت أحزاب المحاصصة السياسية على جعل القرارات ضمن سلة واحدة ( شيعية، سنية ، كوردية) أي اتفاق الجميع مع الجميع على الرئاسات الثلاث. وما حصل في الجلسة الأولى هو ارتباك إدارة الجلسة من رئيس السن ( محمود المشهداني) الذي خرج عن النص المتفق عليه بعدم البت في قضية تسجيل الكتلة الأكبر مثار الجدل الحاد بين التيار الصدري الذي يصر على أنه صاحب الكتلة الأكبر وبين الإطار التنسيقي (بقيادة المالكي والعامري والخزعلي ومجموعة الفصائل المسلحة مابين قوات الحشد وقوات المقاومة المسلحة)، حيث سارع الطرفان إلى تسجيل الكتلة الأكبر كل على حدة، التي ستكون مهمتها تشكيل الحكومة وتسمية رئيس الوزراء. وقد أوقفت المحكمة الاتحادية إجراءات ومُخرجات الجلسة الأولى لحين التحقق من الخروقات الدستورية المُرتكبة فيها.
ولاتزال التهديدات المتبادلة بين هذه الاطراف، خصوصاً التهديد باللجوء إلى القوة المسلحة بالإضافة الى الطعون القضائية في دستورية الجلسة الأولى لمجلس النواب، تشكل خطراً قائماً يمكن أن يشعل فتيل صراعات مسلحة أو يخلق فوضى عارمة لا يمكن السيطرة عليها من قبل أية جهة كانت، خصوصاً إذا ما ارتبطت باحتجاجات متوقع لها أن تندلع في أية لحظة بسبب سوء الأوضاع المعيشية والأمنية وتراكم الأزمات بدون حلول.
الشعب العراقي يريد إنهاء منظومة المحاصصة السياسية بكل الوسائل، حتى إن كانت جزئياً و على مراحل، وبهذا فهو يميل إلى تشكيل حكومة أغلبية سياسية تدير الحكم بمسمى سياسي واضح الهوية، ومعارضة سياسية برلمانية واضحة الهوية أيضاً، وهذا ما يدعو له التيار الصدري أيضاً، ولكن الأطراف الشيعية الخاسرة انتخابياً مصدومة بالخروج عن نص المحاصصة المتعارف عليه وأصبحت تهدد وتتهم الأطراف السنية والكوردية بالخروج عن الاتفاقات التي تسميها (وطنية) بعدم الاصطفاف مع أي طرف شيعي على حساب الطرف الآخر.
نحن نعلم أن الخروج (الآمن) من هذه الأزمة الخطيرة بين الكتل السياسية سيكون بالتوافق بين كل الآطراف على تسمية رئيس الوزراء وتقاسم الوزارات والمناصب الخاصة والهيئات المستقلة، التي تعتاش عليها كل الأحزاب السياسية لتعزيز نفوذها ومواردها المالية، وهذا يعني الاستمرار بنفس النهج المحاصصاتي الذي انتفض الشعب العراقي ضده ورفضه جملة وتفصيلاً، وهنا سيكون موقف التيار الصدري حرجاً أمام جمهوره وأمام وعوده المتكررة بالإصلاح وتشكيل حكومة خارج التأثيرات الإقليمية والدولية من خلال شعار (لا شرقية ولاغربية).
لا يبدو في الأفق حلاً واضحاً بسبب تمسك كل الأطراف بمواقفها وتهديدها بما تملك من نفوذ وسلاح وغيرهما، والشعب يتطلع إلى حل حقيقي وانتقالة نوعية في طريقة الحكم تنقذه من الكوارث والأزمات المعيشية والخدمية والأمنية بأسرع وقت، لكنه في نفس الوقت يواجه التهديدات بالصراعات المسلحة بخوف وحذر لأنه يعلم أنه سيكون المحرقة التي تشعلها الأحزاب المتصارعة لإنضاج حفلات الشواء التي ينتظرون التمتع بالتهامها مهما كان الثمن.
الحل الذي تطرحه القوى المدنية الوطنية بمسمياتها المختلفة، هو معارضة هذه المنظومة السياسية بكل أدواتها ونهجها المحاصصاتي وسلب كل شرعية لها في الاستمرار في تدمير البلد لمصالحها ومصالح حلفاءها في المنطقة والعالم، وتعتبر كل مظاهر الصراعات البارزة على السطح هي محاولات لإعادة إنتاج نفس المنظومة بمسميات جديدة دون العمل على تغيير البنية السياسية باتجاه مصالح الشعب الحقيقية، كذلك تمضى بعض القوى التشرينية وتجمعات المعارضة التي شُكلت قبل الانتخابات بعدم الاعتراف بالانتخابات ومخرجاتها مع التحذير من الاستهانة بدماء أبناء الشعب العراقي بسبب صراعاتهم السياسية.
نحن نتوقع انتفاضة جماهيرية واسعة لرفض كل أشكال التوافق على المصالح وتقاسم المغانم باسم الديمقراطية المزيفة التي شكلوها حسب مقاساتهم الحزبية والفئوية ومصالحهم الضيقة، خصوصاً بعد أن تتضح الصورة بإعادة إنتاج ما يسمونه بالديمقراطية التوافقية والتي يعرفها الشعب على أنها محاصصة سياسية مقيتة.

يمكن الوصول إلى الجزء الأول من الحوار، من خلال الرابط التالي:

https://mevp.eu/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82%d9%8a%d8%a9-%d8%b4%d8%b1%d9%88%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%a7%d9%8a%d8%ac%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%ad%d9%88/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *