مقدمة:
تنتظر الساحة السياسية التركية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة في موعدها الدستوري في شهر يونيو من عام 2023، والتي تجري بشكل متزامن حيث يتم انتخاب رئيساً جديداً للبلاد بالإضافة إلى انتخاب 600 عضو في البرلمان التركي المعروف بالمجلس الوطني التركي الكبير، وهذه الانتخابات هي الثانية وفقًا للدستور التركي الجديد الذي أُقرًّ في استفتاء شعبي عام 2017. وتتطلع المعارضة التركية المنضوية في تحالف الامة إلى إنهاء عقدين من حكم حزب العدالة والتنمية في حين يتطلع تحالف الشعب ( العدالة والتنمية الحاكم والحركة القومية) إلى الفوز في هذه الانتخابات.
وبمتابعة الحراك السياسي في الشارع التركي ورصد استطلاعات الرأي حول النتائج المتوقعة لهذه الانتخابات نجد أن حزب العدالة والتنمية لديه جملة من الفرص تعزز إمكانية إعادة انتخابه مُجدَّداً إلى جانب جملة من التحديات التي قد تقود إلى قلب النتيجة إذا لم يأخذها الحزب على محمل الجد وفي هذه السطور نناقش هذه الفرص والتحديات خاصةً وأن الانتخابات التركية تحظى باهتمامٍ كبير على الساحتين الإقليمية والدولية إلى جانب حالة الاستقطاب الداخلي التي يعيشها الشارع السياسي التركي خلال فترات الانتخابات.
أولًا: الفرص:
الفرصة الأولى: هي وجود الحزب في سدة الحكم وهذا الأمر يتيح له القيام بالعديد من الإجراءات التي من شأنها تحسين فرص الفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وعادةً ما تدَّخر الأحزاب الحاكمة مثل هذه الإجراءات التي تُحسِّن الشعبية وتزيد فرص الفوز إلى ما قبيل الانتخابات بحيث تبقى هذه الإجراءات ماثلة في مُخيِّلة الناخب.
الفرصة الثانية: هي حالة الارتباك التي يعاني منها تحالف الأمة الممثل للمعارضة، والذي كان يضم حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي وحزب السعادة إلا أن حزب الشعوب الديمقراطي أعلن في 27 من سبتمبر الماضي وعلى لسان زعيمته برفين بولدان أنه لا يسعى للمشاركة في أي تحالف وهذا يعني تخلي الحزب عن تحالف الأمة بصورة ضمنية.
وتنطوي هذه الحالة على صعوبة التوافق على مرشح واحد للمعارضة يكون بمقدوره منافسة الرئيس رجب طيب أردوغان صاحب الشخصية الكاريزمية المميزة بالإضافة إلى إمكانية خروج أحزاب أخرى منه وتشظيه أو إعادة تشكله. إلا أن المعضلة الكبرى ستكون بالنسبة لهذا التحالف هي الخروج بمرشح توافقي بين الجميع وهذا الأمر ما يزال موضع شك فقد عبر زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو عن رغبته في الترشح في أكثر من مناسبة، في حين ترى زعيمة الحزب الجيد أن الشخص الأكثر ملائمة للترشح هو رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الذي تقدم على مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات البلدية وفي ذات الوقت يسعى كليتشدار أوغلو لإبعاد إمام أوغلو عن هذه الانتخابات.
وبالاستناد للسجالات الدائرة بين أكرم إمام أوغلو وكمال كليتشدار أوغلو تلوح في الأفق إمكانية انشقاق الأول عن الحزب وتأسيس حزب جديد، وفي حال حدوث ذلك فهناك شكوك كبيرة ستحوم حول احتمالية ثبات تحالف الأمة وعدم تصدعه، وصعوبة إيجاد مرشح بديل يقبل به بقية شركاء التحالف.
ويرى مراقبون أن تحالف الشعب بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية يبدو أكثر صلابةً وتماسكًا من تحالف الأمة الممثل للمعارضة، وتشير بعض المصادر إلى سعي حزب العدالة والتنمية إلى استقطاب حزب السعادة المحافظ إلى تحالفه وإخراجه من تحالف الأمة.
الفرصة الثالثة: هي الأزمة المزمنة للمعارضة التركية والمتمثلة في عدم قدرة هذه الأحزاب على تبني برامج وسياسات بديلة عن تلك التي يتبناها حزب العدالة والتنمية الحاكم، وتكتفي بالانتقاد والتحريض دون وضع بدائل مقنعة للشارع التركي.
الفرصة الرابعة: هي ربط قطاعات شعبية تركية واسعة بين المشكلات الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة وبين جائحة كورونا وبالتالي فإن جزء من هذه المشاكل الاقتصادية هي خارجة عن إرادة السلطة الحاكمة وغير مرتبطة بسياساتها إلى حدٍ كبير مما يقلل فرص استثمار المعارضة لهذه المشكلات وتوظيفها في الحملة الانتخابية خاصة مع غياب برنامج اقتصادي بديل ومقنع لديها.
الفرصة الخامسة: تأييد قطاعات عريضة من الشعب التركي على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم للسياسة الخارجية التركية التي تتبناها حكومة العدالة والتنمية في البعدين الإقليمي والدولي.
الفرصة السادسة: وجود حالة من عدم اليقين لدى الجمهور التركي بقدرة أحزاب المعارضة على خلق حالة من الاستقرار السياسي حال فوزها في الانتخابات نظرًا للتباينات الكبيرة بينها على العديد من القضايا في البعدين الداخلي والخارجي.
الفرصة السابعة: هي توجه حزب العدالة والتنمية نحو إجراء تعديل دستوري لمعالجة الاختلالات في النظام الرئاسي ويسعى للتوافق مع أحزاب المعارضة على هذه التعديلات وفي حال تحقق له ما أراد فإن ذلك سيشكل رافعة إضافية للحزب يمكنه توظيفها في الانتخابات.
ثانيًا: التحديات:
بالرغم من كل الفرص التي ذكرناها فإن حزب العدالة والتنمية التركي يواجه جملة من التحديات الحقيقية التي قد تهدد فوزه في الانتخابات القادمة إذا لم يعمل على تجاوزها في الفترة القليلة المتبقية على الانتخابات ومن هذه التحديات:
أولًا: تقدم أحزاب المعارضة على الحزب في استطلاعات الرأي، الأمر الذي قد يُحدِثُ حال استمراره تغيرًا في مزاج بعض الناخبين خاصة المترددين والذين لم يحسموا أمرهم في أي تجاه، كما أن نتائج هذه الاستطلاعات قد يكون لها دور إيجابي في تعزيز موقف المعارضة وتحسين فرصها الانتخابية.
ثانيًا: التحدي الآخر يتمثل في الانخفاض المتكرر لقيمة العملة التركية أمام الدولار وما يترتب عليه من ارتفاع تكاليف الحياة اليومية على المواطنين، إلى جانب الخلاف المستمر بين رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان وإدارة البنك المركزي، وهذا ينعكس سلبًا على ثقة المواطنين بمدى نجاعة السياسات الاقتصادية للحكومة وبالتالي تغيير مزاجهم الانتخابي إزاء الحزب الحاكم.
ثالثًا: انشقاق قيادات تاريخية مؤسِّسة للحزب، وهذا يعكس حالة من الجدل والخلاف بين مكونات الحزب ويشي بوجود أجنحة داخله مما يجعل إمكانية تسرُّب جزء من القاعدة الانتخابية للحزب لصالح الأحزاب الجديدة التي أسستها القيادات المنشقة أمر وارد ومحتمل .
رابعًا: تراجع تأثير خطاب حزب العدالة والتنمية في المجتمع التركي خاصة وأن شريحة مُعتبرة من الناخبين الأتراك ولدت بعد تولي الحزب للحكم ولا تنظر بعين الاعتبار إلى الإنجازات التي حققها خلال العقدين الماضيين، وهذا يُحتِّم على الحزب إيجاد خطاب ملائم لهذه الشريحة وتحديث السياسات والخطط بعد هذه المدة الطويلة من الحكم.
خامسًا: توظيف المعارضة التركية لقضية اللاجئين واتهام الحكومة علانيةً بتقديم الفرص لهم على حساب المواطن التركي وأنها في حال فوزها ستعيد هؤلاء اللاجئين إلى بلادهم، وهذه القضية تلقى آذان صاغية لدى شريحة من المجتمع التركي.
سادسًا: اختلال القاعدة المؤيدة لحزب العدالة والتنمية بين الأوساط الكردية، ويعزوا مراقبون ذلك الاختلال إلى تحالف حزب العدالة والتنمية الحاكم مع حزب الحركة القومية المعادي للأكراد، وتحريك دعوى قضائية من قبل الحزب الحاكم ضد حزب الشعوب الديمقراطي الكردي.
خاتمة:
قد تبقى أكثر من عام ونصف العام على الانتخابات التركية القادمة وكل من الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة أمامهم جملة من الفرص والتحديات. هذه هي الحياة السياسية في أي بلد لذلك فإن حسم الانتخابات القادمة في تركيا يبقى مرهون بمدى قدرة كل طرف على توظيف الفرص ومواجهة التحديات.