لم يغب التشاؤم عن مواطني قطاع غزة تجاه اللقاء الأخير بين حركتي فتح وحماس في العاصمة القطرية الدوحة، فلازالوا يستشعرون غياب المصلحة الوطنية عن أولويات طرفي الخلاف، إلى جانب ارتباط المصالحة باعتبارات إقليمية تضافرت تعقيداتها في مرحلة الربيع العربي. ورغم الإعلان المتكرر من الحركتين حرصهما على تحقيق المصالحة إلا أن هذا الإعلان ظل بعيداً عن الواقع لصالح الاعتبارات التنظيمية لكليهما، فحركة حماس تبحث عن غطاء سياسي يؤهلها إقليميا ودولياً كقوة سياسية مقبولة، واستيعاب قرابة أربعين ألفاً من موظفيها، وفتح للمعابر. تختلف عنها حركة فتح بحاجتها الى فرض سيادتها مجدداً على قطاع غزة وإخراج النظام السياسي الفلسطيني من أزمته وهي تمثل هرمه، خاصة في ظل ما تعانيه حركة فتح من خلافات داخلية يبرز بعدها الجغرافي واضحاً ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
تلعب التأثيرات الإقليمية دوراً مؤثراً على عملية المصالحة الفلسطينية وهذه التأثيرات تنقسم إلى ثلاث فروع: يتعلق الفرع الأول بالجانب المصري الأكثر حساسية في الشأن الفلسطيني والذي يرفض التعاطي مع حركة حماس بعيداً عن مؤسسة الرئاسة ممثلة في حركة فتح، إضافة إلى تطور مجرى العلاقة مع حماس لتصبح أنشطتها محظورة قانونياً داخل مصر استنادا الى ارتباطها بحركة الإخوان المسلمين، ثاني تلك الفروع يتعلق بالدور الإيراني وسعيه الدائم لكسب حلفاء في الساحة الفلسطينية وهي المهمة التي تغيرت معطياتها فيما بعد الثورة السورية ومواقف بعض الفصائل الفلسطينية منها خاصة حركة حماس التي وقفت على نقيض الموقف الايراني؛ أما الفرع الثالث فيتعلق بالدور التركي – القطري ودعمهما لحركة حماس انطلاقا من قاعدة الاصطفاف لجانب حركة الاخوان المسلمين ومحاولة ترسيخ حركة حماس الى جانب حركة فتح في تمثيل النظام السياسي الفلسطيني.
أولاً: موقع مصر من المصالحة الفلسطينية:
السياسة المصرية تجاه ملف المصالحة ينبني أساساً على إرث العلاقة التاريخية مع حركة فتح كممثل للنظام السياسي الفلسطيني، وحتى الرئيس المعزول محمد مرسي لم يستطيع تجاوز تلك العلاقة لصالح حليفه السياسي حركة حماس نظراً لوجود مؤسسة رسمية في مصر حافظت على العلاقة مع السلطة الفلسطينية، إلا أن المشهد أضيف إليه بعداً زاد من تعقيد العلاقة مع حركة حماس بعد عزل محمد مرسي وإقصاء حركة الإخوان المسلمين من المشهد، ترافق معه تصعيد في العلاقة المصرية مع حركة حماس، وان كانت الدبلوماسية العربية تحافظ دوما على خيط من العلاقة مع القوى السياسية الفلسطينية لضرورات الواقع وهذا ما تكرر مع حركة حماس بالعلاقة المستمرة على مستوى جهاز المخابرات المصرية، لكن يظهر جلياً خسارتها التعاطف المصري الداخلي معها سياسياً واجتماعياً.
تعي حركة حماس واقع أزمتها عربياً حيث تصر غالبية الأنظمة العربية على التعاطي مع الإطار الرسمي ممثل بحركة فتح باعتبار أن التعاطي مع أي بديل آخر يعني تجاوز الرسمية الفلسطينية وهو ما ترفضه حركة فتح، فقد كان الموقف الرسمي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، إبان حرب عام 2014 على قطاع غزة تجاه اجتماع باريس بحضور كل من قطر وتركيا وحماس، هو عدم وجود بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني، إلى جانب إصراره على تسليم معبر رفح البري كاملاً وإخضاعه لسلطات الرئاسة الفلسطينية.
وعن إمكانية حركة فتح إحداث اختراق في مشهد المصالحة فهي لا تخلو من التعقيدات، فالحركة اليوم تواجه تصاعد التنافس بين تياري الحركة الرسمي التابع للرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتيار الموصوف فتحاويا بالمتجنح ويرأس هذ التوجه القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان، ولم تجد حركة حماس غضاضة في التعاطي معه في بعض الملفات ذات البعد الإغاثي وهو ما أدانته سابقاً حركة فتح، إضافة إلى انسداد الأفق السياسي على صعيد المفاوضات مع اسرائيل وهي ظروف بمجملها أثرت على سير الأحداث باتجاه المصالحة.
ثانياً: موقع إيران من المصالحة الفلسطينية:
على صعيد الدور الإيراني، عام 2012 كان عام الخلاف الإيراني مع حركة حماس بعد إعلان رئيس الحركة في قطاع غزة، اسماعيل هنية، تأييده ثورة الشعب السوري، ما اعتبرته طهران ابتعاد عن مسار التحالف بينهما والذي تلقت بموجبه حركة حماس الدعم المالي والعسكري على مدى سنوات مع الأخذ بعين الاعتبار أنه حتى اللحظة لا زالت هناك أصوات داخل حركة حماس مؤيدة لعلاقات مستمرة مع إيران إن لم تكن هي الأصوات المسموعة الآن استنادا لثقلها الداخلي المتزايد خاصة الذراع العسكري للحركة وهو المتمثل في كتائب عز الدين القسام.
يتضح من سياق التباين في مواقف القادة داخل حركة حماس تجاه الخيار الإيراني أن له محاذيره، فهناك من يسعى الى الاندماج في النظام السياسي الفلسطيني وما ينبثق عنه من ارتباطات إقليمية ودولية وهذا ما يبديه رئيس الحركة خالد مشعل الذاهب الى ضرورة الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية (1) مع تأكيده باستمرار على الالتزام بتفعيل الإطار القيادي للمنظمة وإصلاح آدائها، وهذا ما يتطلب من حركة حماس توجهات سياسية جديدة لا تنسجم مع توجهات السياسة الايرانية، ومن جهة أخرى تحاول أطراف نافذة داخل حركة حماس باستمرار مد جسور العلاقة مجدداً مع طهران وطي صفحة الخلاف لكن الأزمة ظلت تتعلق بمواقفها السياسية والموقف من رئيس الحركة خالد مشعل على غرار الموقف الإيراني عشية مؤتمر الوحدة الإسلامي المنعقد في عام 2015 في طهران (2). وظل هذا التباين الداخلي سائداً تجاه المصالحة وترك لكل منهما مبرراته وقدراته على فرض قراره.
ثالثاً: موقع ثنائية قطر وتركيا من المصالحة الفلسطينية:
ثالث أبعاد العلاقات الإقليمية يرتبط بثنائية قطر وتركيا في دعمهما لحركة حماس وانحسر دوما بالدعم المشروط كمشاريع ومرافق للمجتمع – قطر بشكل اساسي – وان كان لهذا الدعم حاجة ماسة لحركة حماس لتخفيف الضغوطات عن كاهلها وتعزيز رصيدها المجتمعي إلا أن أبعاده داخلياً أدت إلى تباين على المستوى الحركي والقيادي، فكافة الشخصيات والقوى المؤيدة لاستمرار العلاقة مع جمهورية إيران ترى في طبيعة الدعم القطري والتركي إضعاف لقدرات الحركة العسكرية التي تمثل جوهر قوتها ونفوذها في الشارع الفلسطيني في قطاع غزة.
خاتمة:
ورغم حالة التجاذب في ورقة المصالحة الفلسطينية من كافة الأطراف: هل من جدوى لطرح بدائل جديدة تعالج ولو جزئياً أزمة الانقسام الداخلي؟ يبرز هنا خياران للطرح: إما إيجاد دور للفصائل والقوى الفلسطينية في المصالحة أو إيجاد اتفاق جزئي متوافق عليه من الحركتين والقوى الاقليمية.
على صعيد القوى الفلسطينية تتعالى مطالباتها بضرورة تجاوز حالة الانقسام لتفادي دورها الوظيفي في مشاريع الفصل الإسرائيلي لمشروع الدولة الفلسطينية مستقبلاً، إلا أن كافة الفصائل الفلسطينية لم تحقق إنجاز يذكر على صعيد المصالحة وذلك يعود لتراجع دورها وفاعليتها والتي ترسخت بانحسار قاعدتها الجماهيرية سواء لضعف مصادر التمويل الذاتي والتي قادت الى حالة من الضعف في آدائها، أو لتراجعها عن تبني قضايا الجماهير المطلبية وانحسارها عن العمل الجماهيري والاجتماعي لصالح العمل السياسي ما أضعف من ثقلها المقرر في السياسة الفلسطينية وهو ما أظهرته نتائج انتخابات عام 2006 (3).
ثاني الخياران يمكن أن تأذن به حالة الانفتاح الإيجابي نوعاً ما بين حركة حماس وجمهورية مصر بما يمكن أن تعنيه من تحول في مسار العلاقة الراهنة، فقد بات هناك فرصة جدية أمام حماس لتسوية الأوضاع في غزة انطلاقاً من تقديم تنازلات ملموسة يُبنى عليها لتحقيق مصالحة جزئية تُراعي دور حركة حماس، وبالتالي فهناك ما يُمكن أن تقبله الحركة خاصة أن ارتدادات الحصار على قطاع غزة باتت أكثر تأثيراً من جهة ومن جهة أخرى فإن المنطقة تشهد مستجدات ومتغيرات سياسية باستمرار ما قد يستدعي ترتيبات جديدة لن تستطيع حركتي حماس وفتح النأي عنها.
مراجع:
1- http://maannews.net/Content.aspx?id=447342
2- http://arabi21.com/story/802703/
3- https://www.elections.ps/Portals/30/pdf/PLC2006-ResultsFinalDistributionOfPLCSeats_AR.pdf