تقع المنطقة العربية حاليا تحت تهديد مشاريع الدول الإقليمية الاكثر تأثيرًا ( إسرائيل، إيران، تركيا)، والتي يشكل كل منها قوة صاعدة تعمل على تمكين نفوذها وفرض سيطرتها وتحقيق أجندتها، ويتزامن ذلك مع حالة الضعف التي يعاني منها النظام العربي واستمرار معاناة عدد من الدول العربية من الاحتلال والتدخلات والضغوط الأجنبية، وبروز العديد من الأزمات بين بعض الدول فيما بينها، وإلى جانب المشاكل الداخلية المتفاقمة في العديد من الدول العربية. ليشكل كل ذلك بيئة مناسبة لبلورة مشاريع دولية وإقليمية متصارعة على الوطن العربي وثرواته.
سيتركز التحليل هنا على المشاريع المرتبطة بالدول الإقليمية الطامحة والصاعدة( إسرائيل، إيران، تركيا).
أولًا: المشروع الإسرائيلي:
يعد المشروع الإسرائيلي امتدادًا للمشروعات والحركات الاستعمارية الإحلالية التي برزت في القرنين التاسع عشر والعشرين ويستدل على ذلك من تبني فرنسا وبريطانيا لهذا المشروع إبان تنافسهما الاستعماري وبعد بروز الولايات المتحدة كقوة عالمية كنتيجة مباشرة للحرب العالمية الثانية تبنت دعم هذا المشروع لتوظيفه في خدمة مصالحها.
وتسعى إسرائيل لفرض نظام جديد في الشرق الأوسط يشمل لبنان وسوريا والعراق بعد توقيعها اتفاقيات سلام مع مصر والأردن، كما تسعى إلى تحقيق تعاون عربي معها لمواجهة التمدد الايراني في المنطقة والمشروع الإسرائيلي الحالي ليس المشروع السابق الذي أقام دولة إسرائيل، إنما هو مشروع جديد يرمي إلى إعادة بناء الشرق الأوسط بما يحقق المصالح الإسرائيلية كدولة وظيفية للغرب، خاصة للولايات المتحدة الامريكية وعدد من الدول الاوروبية، فالمشروع الإسرائيلي الجديد يسعى لفرض هيمنته على منطقة الشرق الأوسط عبر التفرد بقوة عسكرية ونووية وحيدة، ومنع وجود سلاح نووي في دول المنطقة الأخرى.
مستقبل المشروع الإسرائيلي.
إن المشروع الإسرائيلي يقوم على ركيزة أساسية وهي التفوق العسكري والتكنولوجي وبالتالي يتصور المنظرون لهذا المشروع أنه بوسعهم فرض إرادتهم على المنطقة من خلال القوة العسكرية والتفوق التكنولوجي. إلا أن بروز حركات عربية مسلحة مقاومة للمشروع الإسرائيلي اثبت إمكانية تحجيم القوة الإسرائيلية وردعها وقد حققت هذه الحركات نتائج إيجابية عبر اجبار إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 والانسحاب أحادي الجانب من قطاعة غزة عام 2006 كما أن الجيش الإسرائيلي لم يستطيع تحقيق أهدافه العسكرية في الحملات التي شنها على قطاع غزة منذ عام 2008.
ويفتقد المشروع الإسرائيلي للعمق الاستراتيجي كما يفتقد للثقل السكاني مما يجعل مستقبل هذا المشروع مرتبط بحالة الضعف والعجز العربية فإذا تجاوز العرب هذه الحالة فإن ذلك يعني بداية تراجع المشروع الإسرائيلي.
ثانيًا: المشروع الإيراني:
أدًّى انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينيات، وما رافق ذلك من تعزيز الوجود الأميركي في المنطقة بعد حرب الخليج الثانية إلى تعرض الأمن القومي الإيراني إلى مخاطر جديدة فتعززت القناعة لدى قادة إيران بجعل المنطقة العربية مجالا حيويا للأمن الإيراني، وقد رأت إيران في جوارها العربي الحلقة الأضعف مما شجعها على تطوير مشروعها ليصل إلى مهمة الدفاع عن لمصالح لإيرانية على الأراضي العربية.
وقد ساعد إيران على المضي بمشروعها تضافر جملة من العوامل منها: قدرتها على توظيف قوى محلية موالية لها طائفيًا ومذهبيًا، والارتباط الأمني والسياسي مع دول عربية كسوريا، والتوظيف السياسي للقضية الفلسطينية، التي مثلت محورًا جوهريًا في تسويق المشروع الإيراني، إلى جانب احتلال العراق عام 2003، وتفكيكه كدولة مركزية فتمكنت إيران من استعادة التوازن الذي خسرته خلال الحرب العراقية الإيرانية، لتتحول إلى قوة إقليمية مؤثرة بعد أن غاب العرب كقوة موحدة.
مستقبل المشروع الإيراني في المنطقة:
بالرغم من أن السياسة الخارجية الإيرانية تجاه دول العالم تقوم بشكل أساسي على البراغماتية إلا أن سياستها في منطقة الشرق الاوسط وخاصة المنطقة العربية تُغَلّب الطابع الأيديولوجي ويتضح ذلك من الطبيعة الطائفية التي خاضت إيران الصراع على أساسها في مختلف قضايا المنطقة وطبيعة اصطفافاتها وتحالفاتها، الأمر الذي أفقد إيران مصداقيتها في الشارع العربي مما يضعف فرص المشروع الإيراني الذي تتوارى فيه الذات القومية للفرس خلف المذهب الشيعي.
ثالثًا: المشروع التركي:
مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا عام 2002، خرجت تركيا تدريجياً من عزلتها عن محيطها الإقليمي والتي تبناها الكماليون منذ حرب الاستقلال، لتتحول إلى لاعب أساسي في منطقة الشرق الأوسط. وتبنت تركيا سياسة خارجية نشطة مكنتها من الانفتاح على آسيا الوسطى والشرق الأوسط، كما شجعت الانتفاضات الشعبية العربية ودعمت الحكومات المرتبطة بالتيار السياسي الإسلامي وبعد خروج التيار السياسي الإسلامي من الحكم إثر الثورات المضادة والانقلابات العسكرية تراجع المشروع التركي إلى حالة دفاعية مرحليًا. إلا أن المشروع التركي عاد مجددًا للانطلاق ببناء تحالفات جديدة وتوقيع اتفاقيات تعاون مع العديد من دول المنطقة إضافةً إلى التواجد العسكري المبشر.
مستقبل المشروع التركي:
يرى المشروع التركي في المنطقة العربية عمقًا استراتيجيًا لتركيا استنادًا لإرث تاريخي مشترك مع العرب مما يتيح للمشروع التركي فرص أفضلا من المشروعين الإسرائيلي والإيراني.
رابعاً: غياب المشروع العربي:
تتلخص الحالة العربية الراهنة بغياب دولة حاضنة لمشروع نهضوي عربي فاعل وتشرذم النظام الرسمي العربي، وتمزق وضعف الأحزاب والحركات السياسية العربية ومحدودية دور المجتمع المدني في صنع القرار السياسي، وشعور المواطن العربي بحالة من اليأس والاحباط بفعل استبداد وفساد السلطات الحاكمة وتعثر محاولات التنمية القطرية وتراجع مكانة العرب في العالم إلى جانب خضوع البلاد العربية لهيمنة قوى خارجية متعددة تسعى إلى مزيد من تفتيت الدول والمجتمعات العربية.
وهناك ثمة تحديات تضعف قدرة النظام العربي على بناء مشروعه من أهمها :
ضعف النظام السياسي العربي واستمرار حالة “عدم التوافق” داخله خاصة بين الدول الرئيسية الثلاث المؤثرة: السعودية ومصر وسوريا، واستمرار حالة التباعد بين مشرق العالم العربي ومغربه، وفتح دول المغرب العربي لمجالها الحيوي باتجاه أوروبا والبحر المتوسط، وتزايد حالات الاحتلال للأرض وانتشار حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في عدد من الدول العربية، وانسداد أفق التسوية السياسية مع إسرائيل والتي يرهن النظام العربي مستقبله بها، وتنامي المشاريع الاقتصادية والثقافية والسياسية الأخرى في المنطقة العربية، وكذلك تنامي الأزمات القُطرية الداخلية السياسية والاقتصادية والمذهبية والإثنية، ومشاكل تداول السلطة والديمقراطية، واتساع الفجوة التكنولوجية والمعرفية مع العالم الخارجي.
مستقبل المشروع العربي:
إن الحالة العربية القائمة لا تنبثق من مصالح الشعوب العربية والامة العربية وإنما ترتبط بصورة وثيقة بمصالح النظم السياسية والتي ليس للشعوب أي دور في وصولها للسلطة في اغلب الاحيان وبالتالي فإن هذه النظم تسعى بشكل عام لتكريس الوضع القائم لإتاحة الفرصة أمامها للاحتفاظ بالسلطة المطلقة ومعنى هذا انه لا يوجد في المدى المنظر أي أفق لبروز مشروع نهضوي عربي جامع يخلق حالة من التوازن مع المشاريع الأخرى ويوضِّفها لتحقيق أهدافه ويشكل رادعًا لأحلامها التوسعية ويكبح جماح مساعيها للهيمنة على المقدرات العربية والاستحواذ عليها.
ان قيام مشروع نهضوي عربي جامع يتطلب تحول الحكم في البلاد العربية نحو الديمقراطية والحكم الرشيد وفتح المجال أمام القوى الشعبية في المشاركة السياسية والتداول السلمي على السلطة مما يتيح وجود حكومات تعبر عن أماني وتطلعات الشعوب العربية في النهوض الحضاري.