تتمتع منطقة القوقاز بمزايا جغرافية وسياسية واقتصادية متعددة حيث تقع عند حدود أوروبا وآسيا، وهى موطن جبال القوقاز. ونجد أن أذربيجان إقليم عريق من أقاليم الشرق، وهى واحدة من ستّ دول تركية مستقلّة في منطقة القوقاز في أوراسيا، تقع في مفترق الطرق بين آسيا الغربيّة وأوروبا الشرقيّة، حيث يحدّها بحر قزوين من جهة الشّرق، وروسيا من جهة الشّمال، وجورجيا من الشمال الغربيّ، بينما من الجنوب تحدّها إيران، ومن الغرب أرمينيا. وتنقسم أذربيجان إلى قسمين جغرافيين : جزء يقع فى شمال غرب إيران وعاصمته “تبريز” وجزء فى الاتحاد السوفيتى سابقاً ويعرف بجمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفيايتة وعاصمته “باكو” ويفصل بينهما نهر آراس.
تغيرت موازين القوى الدولية فى العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991. وكان لهذا الانهيار العديد من الآثار السياسية والاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولى، فقد نتج عنه ظهور الكثير من الجمهوريات الجديدة، ومن ضمنها جمهوريات منطقة القوقاز المستقلة بذاتها وهى ” ﺃﺭﻤﻴﻨﻴـﺎ ،ﺃﺫﺭﺒﻴﺠﺎﻥ، جوﺭﺠﻴﺎ” . لذلك أصبحت منطقة القوقاز ﻤﺤﻁ ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﺍﻟﻌﺩﻴﺩ ﻤﻥ ﺍﻟﺩﻭل ﺍﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻐﺭﺒﻴﺔ ﻭميدان ﻟﻠﺘﻨـﺎﻓﺱ ﺍﻹﻗﻠﻴﻤـﻲ والدولى. وأصبحت إيران تشترك فى الحدود مع العديد من الدول بعد أن كان بجاورها الاتحاد السوفيتى فقط، وقد ظهرت العديد من الفرص والتحديات أمام إيران بفضل الوضع الجديد فى منطقة القوقاز، مما دفعها للمنافسة مع غيرها من الدول الإقليمية والغربية. وسعت إيران إلى إقامة علاقات ودية مع جيرانها، وتقديم نفسها كدولة حيادية وموضوعية فى التعامل وليس كدولة إسلامية شيعية.
وهنا سوف نتناول طبيعة العلاقات الإيرانية والأذرية وأسباب توتر العلاقات بين البلدين والسيناريوهات المتوقعة فى المستقبل.
تاريخ العلاقات الإيرانية والأذرية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى:
تسعى إيران إلى تكوين “كتلة إقليمية” تكون فيها بمثابة القلب والمركز ، وتتألف هذه الكتلة من الجمهوريات الإسلامية فى آسيا الوسطى والقوقاز، مما يمكنها من لعب دور مركزى وهام فى منطقة آسيا الوسطى من ناحية والعالم العربى من ناحية أخرى. لذلك كثفت إيران جهودها وأنشطتها فى المنطقة، وأقامت إيران ” قمة طهران ” فى 1992 التى تكونت من الجمهوريات الاسلامية الستة، وتم الإعلان عن تشكيل ” المجلس القزوينى ” وسيكون مقرها طهران.
وسعت إيران إلى إقامة شبكة متعددة من العلاقات السياسية والاقتصادية مع الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي وتعزيز وجودها فيها، وظهرت بشكل الدولة الحيادية والمعتدلة فى سياساتها وتوجهاتها، والبعد عن نموذج الدولة الداعمة لـ”الإسلام الثوري” والسياسة ﺍﻟﻘﺎئمة ﻋﻠﻰ ﺃﺴﺱ ﺩﻴﻨﻴﺔ ﻭﻓﻜﺭﻴﺔ. وركزت الحكومة الإيرانية على جمهورية أذربيجان فى تحركها تجاه جمهوريات القوقاز بسبب التداخل الإثني، حيث يعيش فى إيران أكثر ﻤﻥ ﺴـﺘﺔ ﻤﻼﻴﻴﻥ ﺃﺫﺭﻱ، بالإضافة إلى الحدود المشتركة بين البلدين ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻴﺒﻠﻎ ﻁﻭﻟﻬﺎ 760 كم. وينتمى معظم سكان الدولتين للمذهب الشيعي، مع اختلاف فى نظام الحكم بينهما، ﻓﺄﺫﺭﺒﻴﺠﺎﻥ ﻨﻅﺎﻤﻬﺎ ﻋﻠﻤﺎﻨﻲ، ﻟﻴﺱ ﻟﻠﺩﻴﻥ ﻓﻴﻪ ﺩﻭﺭ، بينما النظام ﺍﻹﻴﺭﺍﻨﻲ ﻨﻅﺎﻡ ﺇﺴﻼﻤﻲ ﻭﺍﻟﻤﺫﻫﺏ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ ﻓﻴﻪ ﻫﻭ ﺃﺴﺎﺱ ﺍﻟﺤﻜﻡ . وأدى استقلال أذربيجان عام 1991 لفتح الحدود بين البلدين بعد أن كانت مغلقة طوال فترة الحكم السوفيتي، وتم تبادل التمثيل الدبلوماسى ﻭﺃﺨﺫﺕ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺘﻨﻤﻭ ﺘﺩﺭﻴﺠﻴﺎ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺒﻠﺩﻴﻥ.
نجحت إيران فى تنمية العلاقات التجارية مع أذربيجان وفتح وتوسيع سوق بضائع بها، وحرصت إيران على إقامة علاقات ثنائية مع أذربيجان. وعلى الرغم من ذلك لم تكن العلاقات بين البلدين مستقرة بشكل مستمر بل تعانى من العديد من التوتر وعدم الاستقرار نظرا للمصالح والتحديات التى تواجه البلدين.
تفسير التصعيد وتوتر العلاقات بين إيران وأذربيجان:
تعانى ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻹﻴﺭﺍﻨﻴﺔ ﺍﻷﺫﺭﺒﻴﺠﺎﻨﻴﺔ من التوتر ﻭﻋﺩﻡ ﺍﻻﺴﺘﻘﺭﺍﺭ ﺒﺴﺒﺏ ﺍﻟﻘﻀﺎﻴﺎ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎكل ﺒﻴﻨﻬما، خاصة ﻗﻀﻴﺔ ﺘﻘﺎﺴﻡ الثروات، حيث تسعى إيران إلى ﺍﺴﺘﺜﻤﺎﺭ ﺜﺭﻭﺍﺕ ﺃﺫﺭﺒﻴﺠﺎﻥ ﺍﻟﻨﻔﻁﻴﺔ ﻓـﻲ ﺒﺤﺭ ﻗﺯﻭﻴﻥ، لذلك عملت ﺇﻴﺭﺍﻥ على ﺘﺤﺴﻴﻥ علاقتها مع أذربيجان وﺍﻻﻨﻔﺘـﺎﺡ ﻨﺤﻭها، ونجد أن ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺇﻴﺭﺍﻥ ﻤﻊ ﺩﻭل ﻤﻨﻁﻘﺔ ﺍﻟﻘﻭﻗـﺎﺯ تأثرت بالتنافس ﺍﻹﻗﻠﻴﻤﻲ ﻭﺍﻟﺩﻭﻟﻲ ﻭﺼﺭﺍﻉ ﻓﺭﺽ ﺍﻟﻨﻔﻭﺫ خاصة ﺒﻴﻥ ﺭﻭﺴﻴﺎ ﻭﺍﻟﻭﻻﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺩﺓ.
عرضت إيران استعداد بلادها للتدخل من أجل حل ﻗﻀﻴﺔ “ﻧﺎﻛورﻧوﻛﺎرﺑﺎخ” ﻤﻥ ﺨﻼل الوساطة ﺒﻴﻥ ﺃﺫﺭﺒﻴﺠﺎﻥ ﻭﺃﺭﻤﻴﻨﻴﺎ ﻭﺇﻨﻬاء ﺍﻟﻨﺯﺍﻉ ﺒﻴﻨﻬﻤﺎ. وبالفعل نجحت إيران فى عقد هدنة بين أذربيجان وأرمينيا لكن احتلت أرمينيا المزيد من الأراضى الأذربيجانية. ما دفع أذربيجان الى اتهام إيران بمساعدتها لأرمينيا والتسبب فى خسارتها للمزيد من أراضيها ورفض وساطة إيرانية مرة أخرى، ﻭاستمرت ﺍﻻﺘﻬﺎﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻟﺔ ﺒـﻴﻥ ﺍﻟﺒﻠﺩﻴﻥ ﺒﺸﺄﻥ ﺩﻋﻡ ﺒﻌﺽ ﺍﻷﻁﺭﺍﻑ ﻓﻲ كلا ﺍﻟﺒﻠﺩﻴﻥ.
أما على الصعيد الخارجي فإنَّ المناورات العسكرية بين تركيا – أذربيجان أدَّت إلى مزيد من الارتياب الإيراني، خصوصاً أن هذه المناورات تشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الإيراني، حيث يوجد على حدودها ميليشيات معادية من الممكن أن تتسلل إلى الداخل الإيراني وتتسبب في مشاكل أمنية.
وتعتبر ﻤﺸﻜﻠﺔ ﺘﺭﺴﻴﻡ ﺍﻟﺤﺩﻭﺩ ﻭ ﺘﻘﺎﺴﻡ ﺜﺭﻭﺍﺕ ﺒﺤﺭ ﻗﺯﻭﻴﻥ من أهم المشاكل ﺒﻴن البلدين، حيث تعطى إيـران أهميـة كبرى لبحر قزوين والمـنطقة المحيطـة به، من منطلقات اقتصادية وجيوسيـاسية على حد سواء. وتؤكد طهران على “حقها” في امتلاك حصة 50 % من بحر قزوين، وهي حصتها السابقة نفسها وفقاً للمعاهدات مع موسكو السوفياتية، بحجة أن إيران غير مسؤولة عن ظهور دول جديدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، و يبلغ الاحتيـاطي المكتشف حتـى الآن في حوض بحر قـزوين 23 مليار بـرميل من النفط، و7 تريليون متر مكعب من الغاز، ولذا فإن الصراع على هذه الـثروة سوف يكون شرس وقوى، مما يجعل من الصعب معرفة مساره ونتائجه لكن نجحت الشركات الأميركية فى الحصول على معــظم العقود والمشـاريع النفطية في المنطقة، خصوصاً في أذربيجان.
ﻓﻲ ﻋﻬﺩ ﺍﻟﺭﺌﻴﺱ ﺍﻹﻴﺭﺍﻨﻲ ﻤﺤﻤﻭﺩ ﺍﺤﻤﺩﻱ ﻨﺠﺎﺩ ﻟﻡ ﺘﺘﻁﻭﺭ ﺍﻟﻌﻼﻗـﺎﺕ كثيرا ﻭﺸﺎﺒﻬﺎ ﻨﻭﻉ ﻤﻥ ﺍﻟﻘﻠﻕ، بسبب تقوية اﻟﻌﻼﻗﺎﺕ الأﺫﺭﺒﻴﺠـﺎﻥ ﺒﺎﻟﺩﻭل ﺍﻟﻐﺭﺒﻴﺔ ﻭلاسيما ﺍﻟﻭﻻﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺩﺓ ﺍﻷﻤﺭﻴﻜﻴﺔ ، مما جعل ﺃﺫﺭﺒﻴﺠﺎﻥ ﻤصدر ﻗﻠﻕ ﻹﻴﺭﺍﻥ ، ﻭﺍﺯﺩﺍﺩﺕ ﻤﺨﺎﻭﻓﻬﺎ ﺒﻌﺩ موافقة الحكومة الأذربيجانية على ﺍﺴﺘﺨﺩﺍﻡ ﺠزءا ﻤﻥ ﺃﺭﺍﻀﻴﻬﺎ ﻤـﻥ ﻗﺒـل ﺍﻟﻭﻻﻴـﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺩﺓ ﺍﻷﻤﺭﻴﻜﻴﺔ. ومن أجل ﻁﻤﺄﻨﺔ إيران ﻓﻘﺩ أعلن ﺍﻟﻤﺴـﺅﻭﻟﻴﻥ ﺍﻷﺫﺭﻴﻴﻥ ﻷكثر ﻤﻥ ﻤﺭﺓ ﺒﺎﻥ ﺃﺭﺍﻀـﻲ ﺠﻤﻬﻭﺭﻴﺔ ﺃﺫﺭﺒﻴﺠﺎﻥ ﻻ ﻴﻤﻜﻥ ﺍﺴﺘﺨﺩﺍﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻫﺠﻭﻡ ﺍﻓﺘﺭﺍﻀﻲ ﺃﻤﺭﻴﻜﻲ ﻋﻠﻰ ﺇﻴﺭﺍﻥ.
وقد ظهرت توترات جديدة بإعلان إيران أن أذربيجان تسمح بوجود الجيش الإسرائيلي بالقرب من الحدود الإيرانية الأذربيجانية.
إن العلاقات بين إيران وأذربيجان يشوبها العديد من التوتر وعدم الاستقرار بسبب تقوية أذربيجان علاقات مع دول أخرى معادية لإيران، واستمرار توتر الاوضاع بين البلدين يدفعنا إلى محاولة التكهن بشكل العلاقة المستقبلية فيما بينهما.
السيناريوهات المتوقعة فى المستقبل :
السيناريو الأول: تحالف استراتيجى جديد:
تتابع طهران عن كثب تطور التحالف التركى – الاسرا ئيلى بقلق،حيث يهدف هذا التحالف إلى ضم أذربيجان، لذا فإن إيران تسعى لتكوين حلف استراتيجى منفصل يواجه هذا التحالف، مما يدفعها لتقوية العلاقة مع السعودية ومصر وكذلك أرمينيا ليمتد نفوذها الى القوقاز. وما يطرحه هذا السيناريو هو رغبة إيران فى ضم حلفاء عرب كجزء من تجمع إقليمي لإحباط المطامع الإسرائيلية، ولا نستبعد التحسن الملموس فى العلاقات الامريكية.
السيناريو الثانى: الدبلوماسية السلمية:
أن تسعى إيران إلى تعزيز العلاقات مع أذربيجان من خلال عقد العديد من الأتفاقات فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية ، والعمل على فرض وجودها بشكل حيوى وسلمى فى أذربيجان من خلال استغلال الثقافة الآذرية المشتركة والموجودة فى البلدين. والسماح للقومية الآذرية الإيرانية بعمل أنشطة مختلفة تمتد حتى أذربيجان من أجل تقوية الروابط وتقليل المخاوف الإيرانية تجاه أذربيجان. وسوف ينتج عن هذه الاستراتيجية الكثير من المكاسب السياسية والاقتصادية التى ستمكن إيران من التداخل بشكل كبير بالمجتمع الأذربيجانى، والتأثير على السلطة السياسية الموجودة ومحاولة تقليل التعاون بين أذربيجان وتركيا وإسرائيل والظهور كبديل هام.
السيناريو الثالث : التصعيد ووصولا للحرب:
إن المخاوف الإيرانية من تطور العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية فى المجال العسكرى، وقيام إيران بإرسال معدات حربية وعمل إيران مناورات عسكرية فى المنطقة الحدودية بين إيران وأذربيجان، حيث لم يحدث مثل هذا الإجراء منذ استقلال أذربيجان. يدفعنا إلى التكهن بدخول طهران في حرب مع أذربيجان الحليفة العسكرية مع تركيا وتأتي خطوات التصعيد الإيرانية بناء على مزاعم بأن أذربيجان فتحت أراضيها أمام إسرائيل لشن هجمات ضد طهران.