الانتخابات التشريعية الفرنسية: قراءة في نتائج الجولة الأولى

يقدم متخصصو التحليل الانتخابي واستطلاعات الرأي والمتخصصون في الدراسات السياسية للدراسات عدة زوايا موضوعية لفهم هذه الانعطافة السياسية التاريخية المسجلة في الانتخابات التشريعية الفرنسية في دورها الأول. ونحاول من خلال هذه الورقة استقراء أبرز التحولات في مساراتها الحالية والسابقة لفهم خارطة وتوزع الأصوات وفقا للتوجهات الايديولوجية والفكرية لمختلف التيارات المشاركة.

انعطافة تاريخية نحو اليمين خارطة النتائج

انتخب 76 مرشحا من أحزاب مختلفة في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية التي أجريت الأحد الماضي 2024. ملاحظتين مهمتين يمكن تقديمهما، الأولى تتعلق بالمرشحين الأوائل الذين لم يتم انتخابهم بناءً على ائتلافهم بل على خلفية إنتماءاتهم الحزبية. الملاحظة الثانية تتعلق بحصول ممثلين حزبيين عن أقصى اليمين وأقصى اليسار، وهما التجمع الوطني وفرنسا الأبية، على أكبر عدد من المرشحين المنتخبين في الجولة الأولى.

التوازنات الحزبية الجديدة

نتائج الجولة الأولى من هذه الانتخابات التشريعية غير المتوقعة والمتسارعة تغير التوازن الحزبي. يمكن قراءة تصويت 30 يونيو فيما يتعلق بـ “الثورة الانتخابية” لعام 2017 لاستخدام عنوان الكتاب الذي حرره برونو كوتر وآن موكسيل (تاريخ الثورة الانتخابية (2015-2018، كلاسيكيات غارنييه، 2019). إنه يضع حداً لهيمنة الظاهرة الماكرونية (نسبة إلى الرئيس الفرنسي الحالي ايمانيال ماكرون)  التي كانت واضحة آنذاك والتي بالكاد تم الحفاظ على بنيتها حتى عام 2022.

ما أفرزه الاقتراع العام في 30 من يونيو قلب كل الموازين المعهودة، فقد أحدث قطيعة عميقة مع النظام القديم، في بعديه  اليساري الاشتراكي، واليميني الكلاسيكي، هذه المخرجات صدّرت حزب التجمع الوطني كحزب يتزعم النظام السياسي دون أن يكون حزبا أغلبيا في المشهد السياسي الفرنسي.

وبنسبة 21 بالمئة من الأصوات تعرض مرشحو شق ماكرون تعرضوا لهزيمة قاسية لأن هذه النسبة ستضعهم على الأرجح في المركز الثالث، وهو ما يعني الإقصاء أو الانسحاب الطوعي أو التمثيل المحدود ضمن نظام ثلاثي الكتل ودون حلفاء.

ويبدو من خلال تتبع نتائج هذا التكتل نلحظ بوضوح ثبات هذا التراجع والانخفاض،  ففي 2017 سجلوا 34 بالمئة وفي عام 2022 سجلوا 26 بالمئة وحققوا اليوم 21 بالمئة. من الواضح أن هناك تصويتًا عقابيا ضد السلطة القائمة. وفي نظرة عامة لنتائج الأحزاب الحاكمة على امتداد الانتخابات التشريعية الستة عشر التي أجريت منذ عام 1962، نجد أن هناك سابقة واحدة فقط على هذا المستوى، سجلها الحزب الاشتراكي عام 1993 الذي لم يحصل مع حلفاءه سوى على 19 بالمئة من الأصوات. آنذاك كانت هزيمة واضحة لليسار، حيث لم ينتخب إلا 91 نائبًا في الجمعية الوطنية التي تضم 577 مقعدًا بينما حصل حزب التجمع من أجل الجمهورية والإتحاد من أجل الديمقراطية على 485 مقعدًا أي 84 بالمئة من المقاعد مسجلين بذلك رقما قياسيا في الحياة البرلمانية الفرنسية.

أدت هيمنة ايمنيال ماكرون على السلطة منذ 1917 إلى تراجع اليسار واليمين الكلاسيكيين بشكل كبير، إلا أن سقوط الماكرونية في الانتخابات الحالية ليس كافيا لإستعادة النظام القديم. فالطيف اليساري بجميع اتجاهاته لم يتمكن من تحقيق سوى 31 بالمئة من الأصوات المدلى بها. وذلك رغم تسجيله تقدما واضحا منذ عام 2017 حين حصل على 26.7 بالمئة ثم 30.5 بالمئة عام 2022. على أهمية اليسار الفرنسي تاريخيا إلا أنه لا يزال بعيدا عن تحقيق مستويات ما قبل صعود الماكرونية.  وفي هذا الصدد يعد عام 2012 آخر السنوات التي تمكنت فيها الأحزاب اليسارية من تحقيق نتائج انتخابية إيجابية. يشار إلى أن سنوات 2002 و2007 سجلت حصول الشق اليساري على 39 بالمئة من الأصوات خلال الانتخابات التي تلت مباشرة الانتخابات الرئاسية التي فاز بها جاك شيراك ثم نيكولا ساركوزي.

خلال الدور الأول من الانتخابات التشريعية الحالية ووفقا لاستطلاعات ما قبل الانتخابات  التي خلصت إلى أن الطيف اليساري لن يحصل إلا على 22 بالمئة من أصوات العمال مقارنة بـ 42 بالمئة عام 2007 . أما فيما يتعلق بوضع اليمين التقليدي فإن سقوطه متسلسل، حتى أنه لم يستطع الاستفادة من ردة شق ماكرون وتراجع مؤيديه. ولمعرفة حجم هذا التراجع يمكن العودة إلى عام 2007، عندما حاز على ما يقرب من 46 بالمئة من الأصوات، ثم 35 بالمئة في عام 2012، و21 بالمئة في عام 2017، المتزامن مع صعود إيمانويل ماكرون لسدة الرئاسة. ومنذ ذلك الحين، تسارعت وتيرة الانخفاض لتصل إلى 14 بالمئة في عام 2022 و10.5 بالمئة في انتخابات 30 يونيو الماضي.

في مقابل كل هذه التراجعات الواضحة، حصد التجمع الوطني المصنف في أقصى اليمين فوزا مضاعفا، فبعد تصدره الانتخابات الأوروبية، حسم الجولة الأولى في التشريعيات الفرنسية بنسبة 33.2 بالمئة من الأصوات له ولمؤيديه وضمن نجاح 39 نائبا للبرلمان. كثيراً ما تطرح هذا التطور المستمر للتجمع، إلا أن هذا العام يعد إنقلابا إنتخابيا مفاجئاً وتغييراً  كبيرا تكشف الأرقام المسجلة خلال السنوات الأخيرة صحته، فقد حصل في 2017 على 14 بالمئة من الأصوات و19 بالمئة في عام 2022، ليقفز بأربع عشرة نقطة هذا العام، وهو ما يعد رجة هائلة للمشهد السياسي الفرنسي برمته لن تكون مفاعيلها محدود إذا لم تتدارك التيارات كبوتها المسجلة بالدور الأول.

ما تفسير هذه القفزة المفاجئة وما هي أسبابها؟ وكيف تمكنت التجمع أو الجبهة الوطنية سابقا من تحقيق هذا الانتصار غير المسبوق ؟ وهل ساعده الركود السياسي و”شلل” الماكرونية وتوقف تأثير شعاراتها الرنانة ؟ وهل حصل التجمع اليميني على أصوات الفئات الشعبية ؟ أم حقق نتائجه بقضم جزء كبير من الدعم المعتاد لليمين التقليدي؟

وإن حصل هذا الأمر فإنه لا يفسر لوحده كل الأحجية، إذ بالنظر إلى تيار اليمين العريض المكون الشق التقليدي والشق المتطرف فإنه بالإجمال يظل أقلية محدودة بفرنسا. لكن إذا نظرنا إلى مسار نتائج الانتخابات التشريعية منذ صعود حزب الجبهة الوطنية بزعامة جان ماري لوبان، نجد أن اليمين العريض تجاوز 50 بالمئة من الأصوات التي تم الإدلاء بها لأكثر من عقدين من الزمن ما بين عامي 1986 و2007. وفي عام 2012 سجل 48 بالمئة، أما في 2017 فقد ساهمت الظاهرة الماكرونية في خفض هذه النتيجة إلى 36 بالمئة، إلا أنه عاود الصعود إلى 38 بالمئة في عام 2022. ومع صعود التجمع الوطني هذا العام تصل هذه النسبة إلى 44 بالمئة لكنها لا تزال تحت سقف 50 بالمئة الذي تم تسجيله سابقا.

وفي التوازنات الحزبية الجديدة هيمن التجمع الوطني على الجولة الأولى من التصويت، لكن رهانه المقبل والحقيقي سيكون يوم الأحد السابع من يوليو المقبل، عندئذ عليه أن يثبت أنه قادر على تحويل هذا الفارق في الأصوات إلى أغلبية مطلقة من المقاعد.

حدود هيمنة التجمع الوطني

جمع مرشحو التجمع الوطني مع حليفهم المنشق عن الجمهوريين إيريك سيوتي أكثر من 10.5 مليون صوت في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، في نتيجة تعد غير مسبوقة لهذا التيار. ففي الانتخابات التشريعية الأخيرة التي نظمت عام 2022 حققوا 4,248,626 صوتاً فقط، وقد شهدت خلال عامين زيادة مذهلة بلغت أكثر من ستة ملايين صوت مسجلة حوالي 14.8 من الأصوات التي تم الإدلاء بها، ما يمثل الذروة العددية للأصوات التي حققتها الجبهة/التجمع الوطني في التشريعيات الفرنسية، مع إستثناء الأرقام المسجلة في رئاسيات 2017 و2022. ورغم تاريخ هذا الحزب الذي له أنصاره وأهميته بالتأكيد إلا أنه أن يصبح حزبا قياديا ومهيمنا على المستوى الوطني فهو بلا شك أمر مستجد ويستدعي إعادة قراءة مسارات هذا التطور وعوامله.

مسألة الهيمنة الراهنة التي تتعلق في حالتنا بالتجمع الوطني ممثل أقصى اليمين الفرنسي، لا تعتبر ظاهرة جديدة وفقا لعدد من الدراسات السياسية التي درست سابقا الحالة الديغولية في نسختيها، التقليدية والجديدة ( تأسس الاتحاد من أجل الدفاع عن الديمقراطية، ثم الجديدة التي أصبح اسم الحزب الإتحاد من أجل الدفاع عن الجمهورية في 1968. ليتحول هذا الإرث السياسي الديغولي لاحقا مع جاك شيراك إلى إتحاد الديمقراطيين من أجل الجمهورية في 1976 ثم التجمع من أجل الجمهورية).

فكما كان الحال في الانتخابات التشريعية عام 1973 بالنسبة لحزب الإتحاد من أجل الدفاع عن الجمهورية  ذو التوجه الديجولي الجديد عندما تحالف مع الجمهوريين المستقلين مسجلا 31.38 بالمئة من الأصوات. كما سجل نفس الأمر عندما اكتسح اليسار المشهد السياسي الفرنسي عام 1981 وتحالف الحزب الاشتراكي مع الراديكاليين اليساريين وسجل 36 بالمئة في الانتخابات آنذاك. يضاف إلى ذلك أن التجمع الوطني بات رقما صعبا محليا وأوروبيا بعد تصدره المركز الأول خلال الانتخابات الأوروبية، من خلال حصوله على 93 بالمئة البلديات في فرنسا.

ووفقا للمسوح الانتخابية المنجزة قبيل الانتخابات التشريعية كان هذا التيار في مقدمة الخيارات لدى الإناث والذكو لجميع الفئات العمرية باستثناء الشريحة التي يقل عن 35 سنة، الذين أبدوا ميلهم لمرشحي الجبهة الشعبية الجديدة. كما أظهر المسح تأييد أغلب الفئات الاجتماعية له بإستثناء الطبقة العاملة التي فضلت وفقا لهذه الاستطلاعات اليسار أولا. ولعل نتائج الجولة الأولى من الانتخابات باتت مؤشرا مهما على حزب جوردان بارديلا ومارين لوبان لم يعد مهيمنا فقط، بل أصبح شعبيته متصاعدة.

تصويت الجبهة الوطنية.. بحث عن اعتراف اجتماعي

الشعور بالانتماء إلى فئات أو طبقات إجتماعية مسألة طبيعية لدى أغلب الناس، هذا الشعور سيتحول إلى حالة دفاعية إستباقية مع فقد هذه المجموعة التي قدر لنا أو اخترنا أن ننتمي لها، لمكانتها أو إمتيازاتها ومصالحها في مقابل صعود فئات أخرى طبعا على حساب تلك الفئة. هذا الشعور بالاستياء الشديد والرغبة في مواجهة هذا التداعي ومحاولة تدارك التراجع حيال ذلك. أطلق عليه علماء الإجتماع بشكل خاص المتخصصين منهم في الحركات الاجتماعية مصطلح “الإحباط النسبي”، يمكن أن يكون مرتبطا بالظروف المادية، كما يمكن أن ينجم أيضًا عن تصورات تحيل إلى فقدان الاعتراف الاجتماعي.

ولمزيد استقراء هذا الموضوع هذا الأمر، طرح سؤالان محددان بهذا الشأن خلال الاستطلاع الانتخابي الفرنسي لهذا العام.  الاول يتعلق بتسجيل ارتباط وثيق بين الإحباط ذي الطبيعة الاقتصادية وتصويت لحزب التجمع الوطني اليميني، وبدرجة أقل للجبهة الشعبية الجديدة دات التوجه اليساري. ويبدو الإحباط المرتبط بغياب الاعتراف الاجتماعي غير مؤثر على ناخبي  الجبهة، في حين أنه يظهر كعامل تفسيري حاسم لاحتمال التصويت لصالح حزب الجبهة الوطنية. وقد استطاع الأخير أن يكون المتنفس لهؤلاء الناخبين الذين يعتقدون أنهم لا ينالون الاحترام المستحق.

 

المعادلة الحصول على الأغلبية لحزب التجمع الوطني غير مضمونة

وعلى الرغم من أدائه الانتخابي التاريخي، فإن حزب الجبهة الوطنية ليس لديه أي ضمانات للحصول على الأغلبية المطلقة في 7 يوليو. وذلك لعدة أسباب. أبرزها أولا، أن الحصول على الأغلبية المطلقة يعني فوز التجمع الوطني وحلفائه في 251 دائرة انتخابية في الجولة الثانية، في حين أن انسحاب مرشحي التجمع الذين جاءوا في المركز الثالث في هذه الدوائر يجعل الرهان صعبا. ثانيًا، لا يزال احتياطي الأصوات للجولة الثانية محدودا. لذلك يجب على حزب التجمع أن يستهدف احتياطيات الأصوات المحتملة بين الممتنعين عن التصويت في الجولة الأولى، وهو ما يمثل تحديًا آخر لا يبدو سهلا. أخيرًا، في حال وجود عدد أكبر من المواجهة الانتخابية بين التجمع اليميني، و التحالف اليساري بسبب انسحابات الجمهوريين، فإن توزيع الأصوات لن يكون بشكل متكافئ.

وبالتالي فإن مفتاح هذه المعادلة الانتخابية رهين فارق الأصوات بين مرشحي التجمع الوطني ومعارضيهم الذين جاءوا في المركز الثاني. كما يعتمد أيضا على استراتيجية مرشحي كل التيارات الذين وصلوا إلى المركزين الأول أو الثاني، عندئذ يبح مرشحو التجمع الوطني مهددين بالحلول في المركز الثالث.

 

استراتيجية اليسار ضد الجبهة الوطنية.. محفوفة بالمخاطر

فيما يتعلق بالتحالف الانتخابي الذي تبناه اليسار فانه يعتبر جزءا من الرؤية القصوى المعاكسة للتجمع اليمين، وتتحمل المسؤولية عن ذلك حركة فرنسا الأبية وزعيمها جان لوك ميلينشون. التي يبدو أنها لم تستوعب بعمق دروس ومخرجات الانتخابات الأوروبية، لهذا السبب تمكنت قائمة الحزب الاشتراكي لرافائيل جلوكسمان من الحصول على نتائج أفضل بكثير من قائمة  هذه الحركة.وهو ما قد يجعل الدور الثاني محفوفا بالمخاطر الانتخابية، في ظل تركيز الحركة اليسارية على مناهضة التجمع الوطني اليميني، ما قد يؤدي بحسب عدة توقعات إلى امتناع عدد كبير من الناخبين عن التصويت في حالة حدوث مواجهة مباشرة بين مرشحي الطرفين.

كما أن استراتيجية حركة فرنسا الأبية اليسارية ومطالبتها حصريا بالسلطة تجعلها أسهمها ضعيفة في الجولة الثانية، كما يجعل تحالفها المرجح مع حركة النهضة في الجمعية الوطنية لمواجهة الكتلة اليمينية القومية هشا في ظل إمكانية وضع تكتيكات جديدة قد يلجأ لها أقصى اليمين  تماثل خطط الحزب الجمهوري منذ عام 2022.

فشل ذريع للرئيس إيمانويل ماكرون

يتفق معظم المراقبين على الاخفاق الكبير الذي منيت به السلطة التنفيذية خلال الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، رغم من الحصول على نسبة مشرفة بلغت 20 بالمئة، فقد انتقلت الأغلبية الرئاسية من المركز الأول إلى المركز الانتخابي الثالث. ولا يسعف الوقت القصير هذا التيار لتصحيح الوضع وتفادي التعايش الرابع للجمهورية الخامسة أو سيناريو الغرفة غير القابلة للحكم.

وهناك عاملان أساسيان لهذا الفشل الذي بدأ مع اعلان ماكرون حل الجمعية الوطنية: استحالة إقناع السلطة التنفيذية بالأسباب الوجيهة للقيام بالحل، من ناحية، والصورة المتدهورة لرئيس الدولة في الرأي العام، خاصة منذ إعلان الحل، من ناحية أخرى.

بيانات الاستطلاع الانتخابي الفرنسي تظهر بوضوح مدى الحيرة وعدم الفهم بشأن هذا الموقف الرئاسي. وأدى ذلك إلى خلق وضع كان فيه الناخبون الأكثر معارضة للرئيس ماكرون هم الأكثر تعبئة. فقد استنزفت السبع سنوات التي قضاها في السلطة كل القدرات والحلول المستقبلية بين أنصاره ومعارضيه وفي الرأي العام، وتحولت صورة الإصلاحي الجريء التي بدأ بها عهدته عام 2017 إلى صورة مسؤول عن إدارة الأزمات لا يملك خططا بديلة للجبهة الجمهورية.

الفئات الشبابية.. ميل لليسار أكثر من اليمين

في قراءة سريعة لتوزيع أصوات الفئات الأصغر سنا من الناخبين بين الكتل الثلاث من الواضح أنها كانت لصالح مرشحي حزب التحالف الوطني. وقد منحه الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا 48 بالمئة من أصواتهم، بينما منحه الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عامًا 38 بالمئة. وحصد التجمع الوطني عددا من الأصوات يعادل ما سجله في متوسط ​​أصوات الناخبين.

تتيح لنا الدروس المستفادة من الاستطلاعات الانتخابية تسليط الضوء على ثلاث سمات فريدة لهذا التوجه اليساري اليافع. بادئ ذي بدء، وجود فارق ملحوظ إلى حد ما بين الشابات والشبان (بالنسبة لأولئك الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما، صوتت 50 بالمئة من الشابات مقابل 37 بالمئة من الشباب للجبهة اليسارية. التفرد الثاني هو أن هذا التوجه يتعلق بشكل رئيسي بالطلاب الشباب (52 بالمئة من الطلاب يصوتون للحزب الوطني الليبرالي). وتتلخص الميزة الثالثة في أن هذا التوجه اليساري يصاحبه رفض أقل للحزب الليبرالي بين الشباب مقارنة ببقية الناخبين.

الملاجظ أن الحملات الانتخابية سجلت ذروتها خلال الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية وركزت على الفئات الشبابية من الناخبين. وبحسب تقارير إعلامية فإن الشريحة العمرية التي تقل أعمارها عن 35 عاماً أبدت إهتماما لافتا بالقضايا المتعلقة بالانتخابات، وسط سياق انتخابي يعد غير مسبوق من خلال تميزه بعاملين هما بالاستقطاب الحاد بين التيارات المتنافسة والتسييس المتزايد للإنتخابات ومخرجاتها. وتقدر بعض الترجيحات أن قرابة 77 بالمئة من هذه الشريحة العمرية أبدوا إهتمامهم بالانتخابات، منهم 82 بالمئة من الطلاب. وقد تطورت نوايا التصويت و​​المشاركة لديهم خلال المراحل الأخيرة من الحملات الانتخابية.

يشار إلى أن التقديرات المنشورة أوضحت أن الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، شهدت تصويت 58 بالمئة من الفئة العمرية 18-24 سنة و52 بالمئة من الفئة العمرية 24-34 سنة. وتعد هذه النسبة المسجلة الأعلى مقارنة بمؤشرات الانتخابات الأوروبية التي سجلت 40 بالمئة في الدور الأول و34 بالمئة في الثاني. فيما لم تتجاوز هذه النسبة في الانتخابات التشريعية 2022 على التوالي 29 ثم 34 بالمئة.

ومقارنة بالعديد من الانتخابات السابقة المماثلة، فهو مستوى من المشاركة يعيد للشباب مكانته في القرار الانتخابي وما ينتج عنه من توازنات سياسية. الشباب الذين يصوتون يعطون أصواتهم إلى حد كبير لليسار، حتى لو لم نقلل من أهمية القاعدة الانتخابية للتجمع الوطني، التي أصبحت الآن متمركزة جيدًا في قطاعات معينة من شباب الطبقة العاملة وذوي التعليم المنخفض.

وبالتالي، فإن التوجه اليساري الخاص بالشباب، والذي تم تخفيفه إلى حد ما مع مرور الوقت، قد استعاد قوة وديناميكية معينة. وتتيح لنا الدروس المستفادة تسليط الضوء على ثلاث سمات فريدة لهذا المدار اليساري اليافع الذي يستحق الاهتمام.

بادئ ذي بدء، وجود فارق ملحوظ إلى حد ما بين الشابات والشبان، حيث يؤكد الأول على أن التصويت للتيار اليساري خاصة حركة فرنسا الأبية كان أكثر وضوحًا بشكل واضح من الشباب (50 بالمئة من الشابات تحت سن 35 عامًا مقارنة إلى 37 بالمئة من الشباب في نفس الفئة العمرية). التفرد الثاني هو أن هذا الأمر يتعلق بشكل رئيسي بالطلاب الشباب، إذ صوت أكثر من واحد من كل اثنين من الطلاب الشباب، وتتلخص الميزة الثالثة في أن هذا التوجه اليساري يصاحبه رفض أقل للحزب الليبرالي بين الشباب مقارنة ببقية الناخبين.

 

مراجع:

 

  • Raymond Boudon, « La Logique de la frustration relative », European Journal of Sociology, 18, no 1,‎ juin 1977, p. 3-26
  • Jean Charlot, L’Union pour la nouvelle République. Étude du pouvoir au sein d’un parti politique, Paris, Armand Colin, 1967)
  • Bruno Cautrès et Anne Muxel, Histoire d’une révolution électorale 2015-2018, Classiques Garnier, 2019.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *