الطريق إلى التغيير: كيف تحدد المهام نجاح الأهداف؟ … رؤية ماركسية

يمثل النضال الحزبي في الفكر السياسي الماركسي عملية مستمرة تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وإرساء مبادئ المساواة والديمقراطية الحقيقية. لا يقتصر دور الحزب على تقديم رؤية نظرية، بل يمتد إلى العمل الميداني والتنظيمي لضمان تحويل الأهداف الكبرى إلى واقع ملموس. وفي ظل التحديات السياسية والاجتماعية التي تواجه المجتمعات، يصبح من الضروري أن يكون للحزب برنامج واضح يحدد أهدافه بعيدة المدى، إلى جانب المهام التي يجب تنفيذها لتحقيق هذه الأهداف. كما أن النضال ضد الفساد والطائفية وهيمنة السلاح خارج سلطة الدولة يشكل جزءًا أساسيًا من المشروع السياسي للحزب، حيث إن هذه الظواهر تعيق أي محاولة لبناء مجتمع قائم على أسس العدل والمساواة.
الأهداف الحزبية
يتمحور المشروع السياسي للحزب حول مجموعة من الأهداف المختصرة والواضحة التي تعكس رؤيته بعيدة المدى لبناء مجتمع أكثر عدالة. في مقدمة هذه الأهداف يأتي السعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث يتم توزيع الموارد والثروات بشكل عادل، بما يضمن توفير حياة كريمة لجميع المواطنين بعيدًا عن سيطرة فئة ضيقة تحتكر النفوذ الاقتصادي والسياسي. كما يعمل الحزب على تعزيز الديمقراطية الشعبية، بحيث لا تقتصر الديمقراطية على الانتخابات الشكلية، بل تشمل تمكين المواطنين من المشاركة الحقيقية في اتخاذ القرارات المصيرية التي تحدد مستقبلهم.
إضافة إلى ذلك، يسعى الحزب إلى مكافحة الفساد باعتباره أحد أخطر العوائق التي تحول دون تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث يؤدي إلى استغلال الموارد العامة لصالح فئات محدودة، بينما يعاني المواطنون من الفقر والتهميش. كما أن الطائفية تعد أداة بيد القوى المهيمنة لتقسيم المجتمع وإضعافه وتفتيت قواه، ولذلك فإن الحزب يعمل على نشر ثقافة المواطنة والانتماء الوطني كبديل للانتماءات الضيقة التي تكرس الانقسام والتمييز. وأخيرًا، يرى الحزب أن بقاء السلاح خارج سلطة الدولة يشكل خطرًا حقيقيًا على استقرار المجتمع، إذ يخلق مراكز قوة موازية تعيق تطبيق القانون، ولذلك يناضل الحزب من أجل حصر السلاح بيد الدولة، وتعزيز سيادة القانون بما يضمن أمن المواطنين وحقوقهم.
المهام الحزبية لتحقيق الأهداف
بناء تنظيم حزبي قوي
لتحقيق هذه الأهداف، يضع الحزب استراتيجية واضحة تستند إلى مجموعة من المهام الرئيسية التنظيمية والسياسية، حيث تبدأ المهمة الأولى ببناء تنظيم حزبي قوي قائم على مناضلين حقيقيين ملتزمين بالمبادئ وتتوفر لديهم المؤهلات الفكرية والتنظيمية والسياسية، كوادر قادرة على محاسبة القيادات بدلًا من تقديسها، بعيدًا عن العناصر الانتهازية والوصولية التي تسعى فقط إلى تحقيق مكاسب شخصية من خلال التملق للقيادة والتصفيق لها وتبرير اخطائها. إن وجود حزب قوي داخليًا، قادر على تصفية صفوفه من هذه العناصر الانتهازية، يعد شرطًا أساسيًا لضمان استمرارية النضال وتحقيق التغيير المنشود.
بناء تنظيمات جماهيرية واسعة
أما المهمة الثانية والتي لا يمكنها ان تتحقق الا بتحقيق المهمة الاولى، فهي بناء تنظيمات جماهيرية واسعة تضم مختلف الفئات الاجتماعية، بدءًا من العمال والفلاحين، مرورًا بالشباب والطلاب والنساء، وصولًا إلى النقابات والمنظمات المدنية. يدرك الحزب أن أي مشروع سياسي لا يمكن أن ينجح دون قاعدة جماهيرية قوية تدعمه، ولذلك يعمل على إنشاء شبكات جماهيرية فعالة قادرة على تنظيم وتحفيز مئات الآلاف من المواطنين للمطالبة بحقوقهم والمشاركة في العمل السياسي والاجتماعي. هذه التنظيمات لا تقتصر على تأييد الحزب، بل تهدف إلى تمكين الجماهير من لعب دور فاعل في صنع القرار، وتوعية المواطنين بحقوقهم وسبل الدفاع عنها بوسائل نضالية سلمية، كما انها تُعتبر من أبرز الوسائل الفعالة في التصدي للطائفية السياسية.
بناء تحالفات سياسية مع قوى جماهيرية حقيقية
المهمة الثالثة تتمثل في بناء تحالفات سياسية مع قوى وطنية تمتلك قواعد جماهيرية واسعة وأهدافًا مشتركة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه دون إنجاز المهمتين السابقتين. يدرك الحزب أن التغيير الجذري يتطلب عملًا جماعيًا وتحالفات مع أحزاب فاعلة في الشارع، لا مع كيانات بلا تأثير.
تشكيل جبهة موحدة مع هذه القوى يعزز من قدرة الحزب على التأثير، ويوسع قاعدة الدعم الشعبي لمطالبه الإصلاحية، مثل مكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية. ولهذا، يحرص الحزب على أن تكون التحالفات قائمة على أرضية جماهيرية حقيقية، لا شكلية، بما يخلق توازنًا سياسيًا جديدًا يحد من هيمنة النخب التقليدية ويفتح المجال أمام تمثيل حقيقي للطبقات الشعبية.
الخاتمة
إن تحقيق العدالة الاجتماعية وبناء مجتمع ديمقراطي لا يمكن أن يكون مجرد شعارات، بل هو عملية معقدة تتطلب نضالًا مستمرًا على عدة مستويات. ومن هنا، فإن التزام الحزب بأهدافه بعيدة المدى لا ينفصل عن المهام اليومية التي يقوم بها على أرض الواقع، سواء من خلال بناء تنظيم حزبي قوي، أو عبر التواصل مع الجماهير وتنظيمها، أو من خلال التحالفات السياسية التي تعزز من فرص تحقيق التغيير. كما أن النضال ضد الفساد والطائفية والسلاح الخارج عن سلطة الدولة يمثل جزءًا لا يتجزأ من هذا المشروع، حيث تشكل هذه التحديات عقبات رئيسية أمام بناء مجتمع أكثر عدالة وإنصافًا. لذا، فإن الحزب يرى أن الطريق إلى التغيير الحقيقي يمر عبر العمل المنظم، والإيمان العميق بقضية العدالة الاجتماعية، والاستعداد الدائم لمواجهة القوى التي تعرقل مسار التقدم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *