حزب البعث و” ظاهرة الردّة الحزبية ” في سوريا ما بعد إسقاط الأسد

🖨️ طباعة هذه المقالة

الحزب السياسي بفاعليته، وفاعليته بوجوده، ووجوده بدوره، ودوره من مصداقيته، ومصداقيته من واقعية مبادئه، ومبادئه بإنجازاته ومخرجاته، وتطوير الدولة وتقدمها بأجل مخرجاته وإسهاماته، وإنجازاته بتشابكات عناصره بأكفّ قياداته، ومن موارد داعميه ومعتقدي مبادئه أمواله ومصادره، وإن قاد الدولة والمجتمع، فمكانه بالصفوف الأمامية وليس بين النساء والغلمان.

أدّى سقوط المنظومة الحاكمة بقيادة نظام بشار الأسد، وحلّ حزب البعث لذاته بشكل فوري ومفاجئ وانقلابي على شاكلة نشوئه، إلى نهاية حقبة سياسية طويلة، من ممارسة دور القائد للدولة والمجتمع، التي لم تخدم أهداف هذا الحزب، وشعاراته الأقرب إلى الطوباوية السياسية، التي انهارت على غرار انهيار المنادين بها، ولترتسم معالم تحولات عميقة في المشهد السياسي السوري، وفتح الباب أمام قوى سياسية جديدة للظهور على الساحة، أغلبها إسلاموية سياسية على حساب انكفاء التيارات القومية والماركسية وأدعياء المدنية الذين لم يصمدوا أمام الواقع الجديد، حيث تداعت صفوفهم وكتاباتهم كأنها لم تكن، وظهروا على حقيقتهم المقذذة، إذ هم ثلّة من المنظرين الحشويين البعيدين عن الواقع، غير المستعدين للتضحية في سبيل أفكارهم ومبادئهم ولا شكل الدولة التي نظّروا لها.

تشكل ظاهرة “الردة الحزبية” أحد أهم التحولات التي شهدها المشهد السياسي السوري في الأيام التي تلت سقوط نظام البعث، الذي تنصّل من مبادئه وأتباعه، بل ولّت قياداته هربًا بعد استنزاف وسرقة مقدرات الدولة. فبعد أن كان حزب البعث الحزب الحاكم الأوحد وحجر الزاوية في النظام السياسي السوري لعقود طويلة، وارتبط بأيديولوجيا قومية اشتراكية، وبوعد بتحقيق الوحدة العربية والعدالة الاجتماعية، شهد الحزب تحولات جذرية في العقود الأخيرة، ووصل إلى مرحلة من الضعف والانهيار، ما ألقى بتداعياته على المشهد السياسي السوري والإقليمي، ليبرز ما حدث لحزب البعث ليس كحالة استثنائية، بل كمظهر لأزمة أعمق في الأحزاب العربية القومية. ما يطرح التساؤل الآتي: ما هي العوامل التي أدت إلى “الردة الحزبية” في حزب البعث السوري؟

أولًا: التأصيل النظري لمصطلح “الردّة الحزبية“:

مصطلح “الردة الحزبية” مصطلح حديث أطلقته شخصيًا كتوصيف لحالة تخلي وتبرؤ قيادات وأنصار حزب البعث منه بعد سقوط أمينه العام، وتنصل الحزب من مهامه، وهو الذي نصب نفسه قائدًا للدولة والمجتمع، في حالة غريبة تجعل من عاش تلك اللحظة يصف هذا الحزب بالراديكالي الانهزامي المفتقد للمعنى الأخلاقي. ولا يوجد له تعريف دقيق وموحد في الأدبيات السياسية، ومع ذلك، يمكننا بناءً على مكوناته الأساسية (الردة والحزب)، محاولة تأسيس نظري له عبر تحليل المكونات: فالردة تشير إلى الرجوع عن شيء ما بعد الدخول فيه، أو الانحراف عنه، مأخوذة من المفردة الدينية، والحزب تكتل سياسي منظّم يسعى لتحقيق أهداف مشتركة، ويمثل مصالح فئة معينة من المجتمع. وبناءً عليه يمكن تعريف “الردة الحزبية” على أنها: “عملية انحراف عضو أو مجموعة من أعضاء حزب سياسي عن مبادئ هذا الحزب وأهدافه الأساسية، والتخلي الفجائي عنها تحت ضغط الظروف السياسية والأمنية والاجتماعية، والعمل بشكل متعمد ضد مصالحه، أو الانضمام إلى حزب منافس أو تيار معاكس في توجهاته، أو تأسيس حزب جديد”.
وبما أن مصطلح “الردة الحزبية” يشير إلى ظاهرة معقدة تتأثر بعدة عوامل داخلية وخارجية، فلا بد لفهم هذه الظاهرة بشكل أعمق، من دراسة السياق التاريخي والسياسي الذي تحدث فيه، وتحليل الدوافع والأسباب التي تؤدي إليها، وتقييم آثارها على الحياة السياسية والمجتمعية.

ثانيًا: أسباب الردة الحزبية لقيادات وأتباع حزب البعث:

لا بد، من باب المنطق، أن لكل ظاهرة متشعبة ما يحكمها من الأسباب المتداخلة، بموجب طبيعة وتفرعات الظاهرة ذاتها، وهذا ما ينطبق على ظاهرة الردة الحزبية في سوريا، حيث تعود أسباب ظاهرة الردة الحزبية لقيادات وأنصار حزب البعث إلى جملة من العوامل المتداخلة والمتعددة المجالات والمستويات، نذكر منها وفق رؤيتنا:

  1. فشل الأيديولوجيا: فشلت الأيديولوجيا البعثية في تحقيق وعودها للشعب السوري، وارتبط الحزب بصورة كبيرة بالسلطة الاستبدادية ونظام الأسد، مما أدى إلى نفور الكفاءات والكوادر.
  2. اختلاف في الرؤى والأيديولوجيات بين أعضاء الحزب والقيادة حول الرؤية المستقبلية للحزب أو الطرق المتبعة لتحقيق الأهداف، مما أفقد قواعد الحزب الثقة به وبقدرته على تحقيقها.
  3. الطموحات الشخصية عبر سعي بعض الأعضاء إلى تحقيق مصالح شخصية على حساب مصلحة الحزب، مما دفعهم للانشقاق، وهي ظاهرة عرفها حزب البعث منذ نشأته.
  4. الخلافات على المناصب والسلطة في الحزب، مما أدى إلى انقسامات وتشكيل تيارات متناحرة.
  5. التأثير الخارجي عبر تدخل قوى خارجية في شؤون الحزب بهدف إضعافه وتقويض وحدته، كما حدث من تدخل الروس في شؤون القصر الجمهوري والأفرع الاستخباراتية والأمنية، وبشؤون حزب البعث أيضًا خلال تواجدهم على الأراضي السورية.
  6. انتشار الفساد والمحسوبية داخل الحزب، دفع أعضاء نزيهين إلى الانشقاق، واكتشاف حقيقة هذا الحزب الذي يرفع شعارات فضفاضة لم يعد لها مكان في ظل موجة التطبيع العربي الإسلامي مع إسرائيل، والتمركز حول النزعات القطرية ورفض محاولات الاندماج التي أثبتت فشلها تاريخيًا.
  7. الثورات العربية التي أثرت على الأنظمة العربية، بما في ذلك النظام السوري بقيادة البعث المترهل المفتقد لرؤية استراتيجية شاملة، باستثناء مشروع المقاومة، الذي يتطلب حاضنة شعبية مقتنعة كالشعب السوري في خمسينيات القرن العشرين، وموارد دولة ضخمة، وتحالفات ذات مصداقية، وسياسة داخلية تحظى بالرضا الشعبي، مما زاد من الضغوط على الحزب الحاكم.
  8. التغيرات الإقليمية والدولية التي أثرت في المنطقة والعالم على موازين القوى وأدت إلى ضعف النظام السوري.
  9. الخوف من الملاحقة القضائية: مع سقوط النظام، أصبح أعضاء الحزب يخشون الملاحقة القضائية على مشاركتهم في جرائم النظام.
  10. فقدان الشرعية الشعبية: فقد الحزب شرعيته الشعبية بعد أن أصبح رمزًا للظلم والقمع، مما أدى إلى عزوف الكوادر والشعب عن دعمه.
  11. التحرر بسقوط البعث من القبضة الأمنية التي وظفها حزب البعث للتسلط على رقاب الشعب، وربط الولاء له بالحصول على الوظائف والمكاسب، التي هي حق للمواطن بموجب العقد الاجتماعي والدستور السوري، وصولًا إلى التلاعب بلقمة العيش.

ثالثًا: مظاهر الردة الحزبية في حزب البعث بعد سقوط النظام:

تجلّت مظاهر الردة الحزبية في حزب البعث السوري بعد سقوط النظام في عدة صور وسلوكيات، يمكن تلخيص أبرزها في الآتي:

  1. الانشقاقات الجماعية: شهد الحزب موجات متتالية من الانشقاقات، شملت أعضاء من مختلف المستويات التنظيمية، من القواعد وحتى القيادات الوسطى والعليا.
  2. التحول الأيديولوجي: تبنّى بعض المنشقين أفكارًا جديدة مغايرة تمامًا للفكر البعثي، بما في ذلك الليبرالية والإسلام السياسي وحتى النزعات الانفصالية، في انقلاب صارخ على أفكارهم السابقة.
  3. التحالف مع قوى مناوئة: انخرط بعض البعثيين السابقين في تحالفات مع قوى سياسية كانت تُعتبر في السابق خصمًا أيديولوجيًا للحزب.
  4. الاعتذار العلني: قدّم عدد من القيادات البعثية السابقة اعتذارات علنية للشعب السوري عن دورهم في دعم النظام أو تبرير ممارساته، ما يعكس شعورهم بالذنب ومحاولة التنصل من الماضي.
  5. محاولات إعادة التموقع: سعت بعض الشخصيات البعثية إلى إعادة التموقع سياسيًا من خلال تشكيل أحزاب أو حركات جديدة تدّعي تمثيل “بعث جديد”، أو تيارات “إصلاحية”، أو الانخراط في كيانات وطنية معارضة.
  6. العمل ضد الحزب السابق: لجأ بعض المنشقين إلى مهاجمة الحزب علنًا، سواء عبر الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى من خلال الانخراط في أنشطة سياسية وأمنية معادية له.
  7. الصمت والتواري: اختارت شريحة من البعثيين الانسحاب من المشهد السياسي كليًا، وتجنب أي نشاط علني، خوفًا من المحاسبة أو لانعدام القناعة بالمشاركة في مرحلة ما بعد البعث.

ومن ناحية آثار الانهيار، فقد أدّى انهيار حزب البعث إلى تغييرات جوهرية في المشهد السياسي السوري، من أهمها:

  • الفراغ السياسي: حيث ترك انهيار الحزب فراغًا سياسيًا تم ملؤه من قبل قوى سياسية جديدة.
  • نشوء صراع على السلطة.
  • تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين.
  • تفكك النسيج الاجتماعي وتفاقم الانقسامات الطائفية والمذهبية.

وتُعدّ ظاهرة الردة الحزبية في حزب البعث السوري حالة دراسية مهمة لفهم التحولات التي تشهدها الأنظمة السياسية في العالم العربي. وقد أظهر هذا البحث أن عوامل متعددة ومتداخلة أدّت إلى انهيار الحزب، وأن هذا الانهيار كان له آثار عميقة على المشهد السياسي السوري والمجتمع ككل.

وفيما يتعلق بأنواع الردة الحزبية، فقد حدثت على مستويات عدة، منها:

  • الردة الفردية: متمثلة بانشقاق عضو واحد عن الحزب.
  • الردة الجماعية: بانشقاق مجموعة من الأعضاء عن الحزب وتشكيل تيار أو حزب جديد.
  • الردة الأيديولوجية: متجسدة بانشقاق عضو أو مجموعة من الأعضاء بسبب اختلاف في الرؤى والأيديولوجيات.
  • الردة السياسية: متمثلة بانشقاق عضو أو مجموعة من الأعضاء بسبب خلافات على المناصب والسلطة.

أما آثار الردة الحزبية عمومًا، فتتجلى في:

  • إضعاف الحزب وتشتت الجهود وتقويض وحدته.
  • تغيير الخارطة السياسية: حيث أدت الردة الحزبية إلى ظهور أحزاب جديدة وتغيير التوازنات السياسية.
  • زيادة الاستقطاب: فقد تزايدت حدة الصراع السياسي وتعمقت الانقسامات المجتمعية.

وبالتطبيق على الواقع السوري، يمكن القول إن ما حدث لحزب البعث يشبه إلى حد كبير “الردة الحزبية”، حيث تخلى العديد من أعضائه عن الحزب وأيديولوجيته، وانحرف الحزب عن أهدافه الأساسية.
ورغم بعض الاختلافات، حيث إن الحزب لم ينشق إلى أحزاب أخرى بشكل واضح، بل تفتّت وتلاشى تدريجيًا، فإن أهم نتائج وآثار “الردة الحزبية” على حزب البعث في الوسط السوري تتجلى فيما يلي:

الأثر الأول: الانقسام والتفكك – تعمق في أسباب وتأثيرات الانقسامات داخل حزب البعث:

لقد كان انقسام حزب البعث العربي الاشتراكي نتيجة حتمية للعديد من العوامل المتراكمة على مرّ السنين، والتي تفاقمت بشكل كبير بعد سقوط نظام بشار الأسد، ويمكن تلخيص هذه العوامل والأسباب على النحو التالي:

  1. اختلاف الرؤى حول مستقبل الحزب: بعد سقوط النظام، ظهرت آراء متباينة بين أعضاء الحزب حول كيفية التعامل مع المرحلة الجديدة، وهل يجب الإصرار على الأيديولوجيا البعثية التقليدية، أم التكيّف مع المتغيرات الجديدة في المشهد السياسي. فكان قرار الحل والاندماج، بما له عند قيادات البعث من مبررات أمنية وسياسية.
  2. الخلافات حول المسؤولية عن الفشل: أدّت الأحداث التي شهدتها سوريا إلى تحميل الكثير من أعضاء الحزب مسؤولية الفشل، مما أدى إلى اتهامات متبادلة وتصاعد الخلافات.
  3. الخوف من الملاحقة الأمنية والقضائية: دفع الخوف من الملاحقة الأمنية والقضائية العديد من الأعضاء إلى الانسحاب من الحزب أو التخفي، مما أدى إلى تفكك الهيكل التنظيمي.

الأثر الثاني: فقدان الكوادر المؤهلة
يعد فقدان الكوادر المؤهلة أحد أبرز الآثار السلبية لـ”الردة الحزبية” التي تعرض لها حزب البعث العربي الاشتراكي بعد سقوط نظام بشار الأسد.
هذا الفقدان لم يكن مجرد خسارة في الأعداد، بل كان له تداعيات عميقة على بنية الحزب وقدرته على التعافي والاستمرار، وتعود أسباب هروب الكوادر المؤهلة إلى:

  • الخوف من الملاحقة القضائية،
  • الخوف من الانتقام،
  • فقدان الأمل في المستقبل،
  • الضغوط النفسية.

وبالنتيجة، ترتبت العديد من الآثار على فقدان الكوادر المؤهلة على الحزب، منها:

  • ضعف الهيكل التنظيمي للحزب، وفقدانه لقدرته على اتخاذ القرارات وتنفيذها،
  • فقدان الخبرة والمعرفة، مما صعّب عليه مواجهة التحديات الجديدة،
  • صعوبة إعادة بناء نفسه وإعادة كسب ثقة الشعب في ظل غياب الكوادر المؤهلة،
  • تراجع الدور السياسي المؤثر في المشهد السوري، حيث أصبح عاجزًا عن المنافسة مع الأحزاب الأخرى.

ومن أمثلة فقدان الكوادر الفاعلة ذات الصيت والثقل في الحزب البائد:

  • هروب العديد من القادة العسكريين والضباط الذين كانوا على رأس الأجهزة الأمنية،
  • هروب العديد من المسؤولين الحكوميين الذين كانوا مرتبطين بالحزب،
  • هروب العديد من المثقفين والأكاديميين الذين كانوا يؤيدون الحزب.

وبالنتيجة، إن فقدان الكوادر المؤهلة كان ضربة قاصمة لحزب البعث العربي الاشتراكي، حيث أدّى إلى تآكل بنيته التنظيمية وفقدانه لقدرته على التأثير في المشهد السياسي السوري.
وهذه الخسارة ليست مقتصرة على حزب البعث، بل هي ظاهرة شائعة في الأحزاب التي ترتبط بأنظمة استبدادية وتفقد السلطة.

الأثر الثالث: صعوبة إعادة البناء
بعد أن فقد حزب البعث مكانته كحزب سلطوي استبدادي، أصبح من الصعب عليه القيام بعملية إعادة بناء ناجحة. ويمكن تلخيص التحديات التي تواجه الحزب في:

  • فقدان الهوية والرؤية: فمع رحيل العديد من مؤسسي الحزب وقادته، فقد الحزب جزءًا كبيرًا من هويته وأيديولوجيته الأصلية، وأصبح هناك اختلاف كبير في الرؤى حول مستقبل الحزب وأهدافه، مما يجعل من الصعب التوصل إلى رؤية موحدة.
  • تآكل الثقة الشعبية: ارتبط اسم الحزب بسنوات من القمع والاستبداد، مما جعل الشعب السوري ينظر إليه بازدراء وعداء. واستعادة الثقة الشعبية تتطلب جهدًا طويل الأمد وتغييرًا جذريًا في سلوك الحزب ومواقفه.
  • الوصمة التاريخية: ستظل هناك وصمة عار على الحزب بسبب دوره في الماضي، مما يجعل من الصعب عليه التخلص من هذه الصورة السلبية.
  • الصعوبات التنظيمية: يعاني الحزب من صعوبات تنظيمية كبيرة نتيجة الانشقاقات والتشتت، مما يجعل من الصعب عليه العمل بشكل فعّال.
  • الخلافات الداخلية: لا تزال الخلافات الداخلية قائمة بين أعضاء الحزب حول المسؤولية عمّا حدث، مما يعيق عملية إعادة البناء.
  • الضغوط الخارجية: يتعرض الحزب لضغوط خارجية من قبل الدول الداعمة للمعارضة السورية، مما يزيد من صعوبة عمله.

بالنتيجة، هناك جملة من العوامل التي تعيق إعادة بناء حزب البعث مستقبلًا في ظل البيئة السياسية الجديدة، التي تتسم بالعديد من السمات البنيوية التي تمنع بالمطلق إعادة بنائه في ظل استمرار الحكام الجدد، خصوصًا في ظل:

  • النفور الشعبي،
  • الرفض السياسي القطعي لهذا الحزب،
  • فقدانه للمصداقية والشعبية،
  • غياب القدرة على المنافسة.

كما أن البيئة الدستورية تُعدّ محددًا هامًا، فالقواعد الحاكمة لتأسيس الأحزاب، وتنظيم المنافسة، والأحزاب المشكلة لمجلس الشعب والحكومة، والمشاركة في عملية صنع السياسات العامة، كلها تحد من إمكانية عودة الحزب.

كذلك، يُشكّل غياب المنظّرين القادرين على إعادة بناء المنظومة الأيديولوجية للحزب، ومعضلة المناداة بالفكر القومي والترويج له في ظل واقع مغاير، معوقًا كبيرًا، ما يحتم الهزيمة الفكرية، ويستدعي إعادة ترتيب المرتكزات الفكرية والمنطلقات النظرية للحزب المتهالك.

ومن الصعوبات الكبرى:

  • إدارة أي منصب – في حال حدثت معجزة واستلم الحزب مواقع سلطة – بالعقلية الحالية، في ظل المتغيرات البنيوية المجتمعية في الداخل السوري، على الصعيدين الجغرافي والفكري/البشري،
  • ما نسميه عصف المتغيرات، أي دور متغيرات النسقين الإقليمي والدولي في إعادة البناء السياسي، وتحوير المنظومة الأيديولوجية للدولة السورية،
  • غياب قيادة قوية قادرة على توحيد الصفوف وإعادة بناء الحزب،
  • افتقار الموارد المالية والبشرية،
  • الخوف من احتمالات الصدام مع الشعب والسلطات الحاكمة في الوقت الراهن،
  • فقدان الحاضنة الشعبية، فهذا الحزب حمل عار التخلي عن مبادئه وأنصاره، وتنصّله من مهامه في قيادة الدولة والمجتمع في الأوقات الحرجة.

خاتمة:

إن عملية إعادة بناء حزب البعث هي عملية معقدة وطويلة الأمد، تتطلب انقلابًا شاملًا في الواقع الميداني والتوجه السياسي لسوريا ما بعد إسقاط وسقوط الأسد، وتغييرات جوهرية في هيكل الحزب وأيديولوجيته.
لذا نقول بأريحية: لا نأسف على اندحار حزب الفساد والفسوق، بل إن سحقه كان يجب أن يتم منذ عهد النظام السابق، فيما لو تجرد بشار الأسد من انتمائه الحزبي الذي أودى بوجوده وحياته السياسية.

إن التحديات التي تواجه الحزب كفيلة بعدم عودته واستعادة قوته السابقة، الأمر الذي كان يخدم سوريا حتى في مرحلة ما قبل السقوط، فهو السبب الداخلي الرئيسي – بعقلية قياداته وأيديولوجيته المخادعة – في سقوط الجغرافيا والهيبة الإقليمية لسوريا اليوم.

 

ما تقييمك لهذا المقال؟
⭐ متوسط التقييم: 4.8 من 5 (5 صوت)
📂 التصنيفات: مقالات, مقالات رأي

أضف تعليقًا

الحقول المشار إليها بـ * إلزامية.