يعتبر الإستقرار السياسي هدف للأنظمة السياسية الحاكمة أو التي تريد الوصول لسدة الحكم من أجل تحقيق النمو و التقدم و الإنجازات و يكون ذلك وفقا لأسس التداول السلمي للسلطة. فالإستقرار السياسي في الدولة أساسه وجود دستور دائم متفق عليه،الدولة السودانية لم تعرف طعم الإستقرار السياسي منذ الإستقلال عام 1956 وذلك لأسباب عديدة منها أنه مر على تاريخ السودان السياسي الحديث ثمانية دساتير كانت البداية بدستور 1956 و هو أول دستور للدولة السودانية كاملة السيادة و من ثم أعقبه دستور السودان المؤقت الذي جاء بعد ثورة أكتوبر 1964 و بعده دستور 1973 في عهد الرئيس جعفر نميري الذي تقلد زمام الحكم عام 1969 حكم في بداية عهده بمراسيم دستورية إلى أن أجيز دستور 1973 و من ثم وضع الدستور الإنتقالي لسنة 1985 الذي جاء بعد إنتفاضة ابريل التي إنحاز فيها الجيش للشعب و في عام 1989 أتى إنقلاب الإنقاذ فحكمت في بداية عهدها بأوامر دستورية إلى أن أصدر دستور 1998 فمكث غير بعيد إلى أن تم الإتفاق حول دستور السودان الإنتقالي لسنة 2005 الذي وضع وفقا لإتفاقية نيفاشا بين حكومة السودان و الحركة الشعبية و من ثم جاءت الوثيقة الدستورية الموقعة بين المجلس العسكري و قوى الحرية و التغيير الموقعة في السابع عشر من أغسطس 2019 ، يجدر ذكره بأن معظم دساتير السودان صاحبتها تعديلات جزئية لتوافق طبيعة المرحلة.
وكذلك من الأسباب التي أدت إلى عدم وجود إستقرار سياسي الإنقلابات العسكرية في السودان التي كان لها دور بارز وكبير في تأجيج الصراع السياسي و عدم إستقراره إذ إن إنقلاب 17-11-1958 بقيادة الفريق إبراهيم عبود ضد حكومة الإئتلاف القائمة آنذاك بقيادة الزعيم إسماعيل الأزهري أعتبره وأد للديمقراطية في السودان في منذ ذلك الوقت ،إذ أن ذلك الإنقلاب وضع عنوان لفشل الدولة السودانية و إضمحلالها بسبب أن الدولة كانت في فترة عملية بناء سياسي و وضع لبنات و قواعد الدولة في السودان بالرغم من الإنتقادات الحادة التي وجهت لحكومة الأزهري لعدم قدرتها على صنع مناخ سياسي جاذب،فلقد كان لإنقلاب عبود أثر بالغ في تغيير المشهد السياسي السوداني لحالة الاإستقرار إذ توالت بعده الإنقلابات العسكرية فبلغت أكثر من خمسة عشر إنقلابا منها ثلاث إنقلابات إنحاز فيها الجيش لثورة الشعب ( ثورة أكتوبر 1964 – و إنتفاضة أبريل 1985 – و ثورة 11 أبريل 2019 ) فبقية الإنقلابات تراوحت ما بين الفشل و النجاح و ما نجح منها كان خصما على التجربة الديمقراطية في البلاد.
الأحزاب السياسية السودانية أيضا كان لها نصيب في عدم الإستقرار السياسي فبالرغم من أنها نشأت مبكرا إلا أنها لم تبارح التقليدية في ممارسة العملية السياسية و لم تتطور مع تطور الزمان و لم تستصحب معها المتغيرات الفكرية و لم تستطع أن تلبي تتطلعات الأجيال المتعاقبة إذ ظلت ماكثة في براثن الحزبية أكثر من الوطنية و ظلت تنادي بالديمقراطية و قادتها قابعون على رئاستها عشرات السنين كل هذا و غيره أدى إلى إنقسامات داخل الأحزاب فنشأت أحزاب من أصلابها تتطابق من حيث الرؤى و الأهداف و البرامج إن كانت موجودة مما أدى إلى إكتظاظ الساحة السياسية بالأحزاب إلا أن بلغت أكثر من مائة حزب يريدون حكم السودان !! فكثرة الأحزاب في الدولة ليس دليل عافية على المناخ السياسي و الديمقراطية فيها بل إنما يدل على مدى الإنقسام بين المكونات الداخلية و تشرذمها و هذا أنتج ضعفا في الهياكل لدى الأحزاب و إنعكس بصورة مباشرة في الدولة من خلال عدم الممارسة السياسية الراشدة للأحزاب و قد لعبت الحكومات دورا كبيرا في ذلك إذ عملت بعضها على إضعاف الأحزاب و إحداث شرخ فيها و شغلها من أجل الإنفراد و الإستقرار السياسي لم يتم إستغلاله الإستغلال الأمثل فبدل أن يكون عنصر قوة كان نقطة ضعف بائنة عملت القوى الخارجية أسوأ إستغلال بسبب التمييز و المناطقية و الجهوية و النعرات القبلية كل هذا أدى إلى عدم قبول الآخر و أفرز الغبن الإجتماعي في المجتمع الذي تعود أسبابه إلى الظلم و القهر و العوز و غياب العدالة الإجتماعية.
كذلك فقد كان للعامل الإقتصادي القدح المعلى في عدم الإستقرار فالإقتصاد و السياسة في عصرنا هذا سيان لا ينفصلان فضعف أي منهما يؤدي إلى زلزلة أنظمة الحكم و زوالها و بالتالي يجعل الدولة بيئة خصبة للتدخلات الخارجية المباشرة و غير المباشرة فالسودان و بموقعه الجيوإستراتيجي المميز في قلب القارة الأفريقية و المطل على ساحل البحر الأحمر لم يتم إستغلاله إستغلال يجلب به المصالح و يدرء به المفاسد .
عليه و لكل ما تقدم و للوصول لإستقرار سياسي لابد من إرساء قواعد الديمقراطية و تدعيم عملية المشاركة السياسية من أجل إحداث العدالة الإجتماعية من خلال المشاركة في حكم البلاد عبر نظم مستويات الحكم المختلفة و العمل على إحلال السلام الشامل وذلك بالإتفاف على حكم السودان فيدراليا لأنه يتناسب مع الحالة السودانية، كذلك لابد من عمل ميثاق شرف وطني يضم كل المكونات السياسية في الدولة و الحركات المسلحة عن النأي بالشروع أو القيام بالإنقلابات العسكرية وذلك بغية الوصول لإستقرار سياسي شامل و خضوع كل القوات النظامية في الدولة تحت إمرت وزارة الدفاع ممثلة في القوات المسلحة من أجل السيطرة و بسط هيبة الدولة . ختاما يبقى مستقبل الإستقرار السياسي في السودان يكمن في الإتفاق على قيم و ثوابت وطنية لا يمكن تجاوزها بأي شكل كان تعمل على تقوية الجبهة الداخلية للدولة و من ثم الإنطلاق لآفاق أرحب.