مراجعة كتاب استغلال الغاز الطبيعي في حوض شرق البحر المتوسط وعلاقته بالنفود الاسرائيلي في المنطقة

مراجعة كتاب بعنوان:

 

استغلال الغاز الطبيعي في حوض شرق البحر المتوسط

وعلاقته بالنفوذ الإسرائيلي في المنطقة

 

معلومات الكتاب:

  • العنوان: استغلال الغاز الطبيعي في حوض شرق البحر المتوسط وعلاقته بالنفوذ الإسرائيلي في المنطقة.
  • الكاتب: أشادي سمير عويضة.
  • الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت (لبنان).
  • عدد الصفحات: 222 صفحة.
  • تاريخ النشر: 2019.
  • السعر: 8$.
  • ISBN: 978-9953-572-83

 

تقديم:

أصدر الباحث شادي سمير عويضة (الباحث في الشؤون الدولية) قبل فترة قصيرة كتابه المعنون “استغلال الغاز الطبيعي في حوض شرق البحر المتوسط وعلاقته بالنفوذ الإسرائيلي في المنطقة“، والذي نشره مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات بيروت في 222 صفحة من الحجم المتوسط، والذي كان في الأصل عبارة عن رسالة ماجستير أنجزها الباحث بجامعة الأزهر في غزة.

وقدّم للكتاب كلاً من الأستاذين (أسامة محمد أبو نحل) و(احمد جواد الوادية) أثنيا فيه على العمل المستجد في موضوعه، والذي لم يسبق له أن عولج أكاديميًا في رسائل الماجستير والدكتوراه، وأن دراسته تعدّ بمثابة اللبنة الأولى التي بإمكانها سد فجوة كبيرة في الأدبيات السياسية العربية، ومن جهة أخرى أبرزا أن الكاتب تمتع فعلا بالجرأة في طرحه، وأكدّا على أهمية القضية الحيوية التي تناولها، وأوصيا بمتابعة البحث فيها بدراسات جادة ورصينة ومعمقة في هذا الاتجاه.

وقد توزع الكتاب على خمسة فصول، حيث تضمن الفصل الأول الإطار العام للدراسة، والذي حدّدت فيه الإشكالية العامة، والتي كان مفادها البحث في متغيرين مهمين يتعلقان بآثار استغلال الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، وعلاقته بتزايد نفوذ الكيان الإسرائيلي بالمنطقة[1].

وأشار الكتاب إلى بعض المصطلحات المفتاحية في دراسته، نذكر منها النفوذ، الطاقة، التنمية الاقتصادية، النزاع الدولي، الحدود البحرية وغيرها[2]، والملفت أن المؤلف يبدو على إلمام واطلاع بجوانب الموضوع القانونية والمفاهيمية، وهو ما تجسد في قراءته الاصطلاحية تلك.

أما الفصل الثاني[3] فتضمن البحث في الإمكانات الإسرائيلية لاستغلال حقول الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، حيث عرّف أهمية حقول الغاز بالنسبة للكيان الإسرائيلي وللعالم باعتباره بديلا للنفط، وكذا درس الإمكانات المتاحة من هذه المادة الحيوية في المنطقة، وفصّل في مجمل التحديات التي تواجهها هذه الأخيرة.

في حين تضمن الفصل الثالث[4] تفكيكا لمعادلة اكتشاف الغاز في شرق البحر المتوسط بين احتمالات النفوذ والتعاون بين الأطراف، وكذا حدّد التوجهات العامة للكيان الإسرائيلي تجاه الحقول المكتشفة حديثًا، ووضّح رهاناتها وأبعادها بالنسبة للدول الإقليمية العربية (لبنان ومصر وفلسطين) وغير العربية (تركيا وقبرص واليونان).

  وتناول الفصل الرابع[5] دور الاكتشافات الأخيرة لحقول الغاز في تعزيز القدرة الاقتصادية والأمنية والإستراتيجية، وأبرز تداعيات اكتشاف الغاز على النفوذ الإسرائيلي بالنسبة لدول المنطقة، وكذا تعرض لأبرز المخاطر والمآلات التي ستؤثر بشكل مباشر على أية مبادرات محتملة للتعاطي مع الملف.

أما الفصل الخامس[6] فكان مخصصا لدراسة مستقبل النفوذ الإسرائيلي على المنطقة وبالأخص الدول الإقليمية ذات الصلة، في ظل الاكتشافات الجديدة للغاز في شرق المتوسط، ويمكن اعتبار هذا الفصل استشرافيًا لأنه أعطى تصورًا عمليًا لتحولات وتجاذبات الملف في المرحلة المقبلة بناءً على ما ورد من معطيات راهنة، والتي يمكن أن تؤدي حسب الكاتب إلى ازدياد الدور الإسرائيلي على عدة مستويات، واحتمال سيناريوهات مستقبلية بإمكانها رهن واقع المنطقة برمتها وفق محددات جديدة.

أما الخلاصة فقد تضمنت النتائج المتوصل إليها، والتي نعتبرها جدّ هامة، ومن أبرز ما ورد فيها التأكيد على أهمية الخيارات الجديدة للكيان الإسرائيلي في ظل الاكتشافات الجديدة لحقول الغاز، وهي في الحقيقة متغيرات جيوسياسية وأمنية ستشكل الأمن الطاقوي له، وستعزز مسارات التحالفات الممكنة مع دول الجوار.

كما أكد الكاتب في النتائج الختامية على أهمية حقول الغاز المصرية التي ستعيد قليلا من الأمان لمصر وللدول العربية الحليفة، باعتبارها كشفت عن حقل غاز (زوهر)، وهو الأكبر من نوعه في كامل منطقة الشرق الأوسط.

بالإضافة إلى حدوث تغيرات مستقبلية محتملة على صعيد العلاقات بين الكيان الإسرائيلي والاتحاد الأوربي ومنطقة الشرق الأوسط، يكون قوامها مدى الاستفادة الطاقوية وكذا الاستعداد لبناء رؤى متجددة في ظل المتغيرات.

واستعان الكاتب في آخر كتابه بمجموعة من الملاحق الوظيفية التوضيحية، ومنها خصوصًا تلك الخرائط التفصيلية لتواجد حقول الطاقة (وبالأخص منها الغاز) بالمنطقة، والحدود الإقليمية لها، وللمياه الإقليمية، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى موضحة على تلك الخرائط. وقائمة الببليوغرافيا التي احتوت المادة البحثية التي ارتكز عليها الكتاب، وهي جد هامة ونوعية.

أهمية الموضوع:

من الواضح أن الكتاب كما جاء في عنوانه على قدر كبير من الأهمية في موضوعه الراهن، والذي يعتبر إحدى القضايا الحساسة التي لا تزال تلقي بضلالها على المنطقة الشرق -أوسطية والعالم، خاصة إذا ما أخذنا بالحسبان تطورات ملف العلاقات العربية الفلسطينية والتوتر العام الذي عرفه الكيان الإسرائيلي في أعقاب أحداث الشيخ جراح.

إن هذا الموضوع جد راهن ومؤثر على مستوى العلاقات البينية في المنطقة، وذلك في ظل الاهتمام المتزايد بغاز شرق المتوسط، وازدياد تدافع القوى الدولية على النفوذ في المنطقة، ومع انطلاق عملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الإسرائيلي، بالإضافة إلى العديد من المستجدات التي عرفها الواقع الإقليمي خلال السنتين الأخيرتين.

كما أن طبيعة الموضوع المتشعبة إلى مجالات كثيرة كعلم السياسة والاقتصاد والتاريخ والقانون الدولي وغيره؛ ألقت العبء الكبير على جهد الكاتب، إذ أن البحوث المتعددة الاختصاصات كثيرا ما تفرض منهجا خاصا في ضبط أطرها العامة، وعلى مستوى الأداء البحثي والتوظيف المطلوب لما توفره المادة والدراسات السابقة، ولكن عموما فان الكتاب قد وفر للقارئ سلاسة في التعبير وتحكما في الجوانب المنهجية مما يجعلنا نستمر في القراءة والتركيز بين السطور.

ولعل من غير المبالغة القول أن الكاتب قد استفاد من حداثة الموضوع وراهنيته، وفتح له نوافذ عدة في الطرح والمعالجة، وهو أمر قد يشذ عنه بعض الباحثين الشباب مقارنة بغيرهم من الجيل القديم، وأنا شخصيا وجدت نفسي اقرأ باستمتاع كبير، وطرقت بالي العديد من الأسئلة والإشكالات.

أهمية المادة المصدرية (الببليوغرافيا):

استند الكاتب إلى مادة معرفية وببليوغرافية مهمة ساعدته كثيرا في الإحاطة بجوانب الموضوع، والتي تنوعت ما بين تقارير وكتب ومقالات ورسائل باللغة العربية وبلغات أجنبية أو مترجمة، قارب عددها المئتين، وقد تم توظيفها بشكل جيد في متن الدراسة.

والملاحظة التي يمكن تقديمها في هذا الصدد أن هذا الركام المعرفي من المادة الببليوغرافية التي اعتمد عليها الباحث أغلبها تخصصية وذات علاقة مباشرة بالموضوع، كما أنها تنوعت بين الإصدارات الحديثة والأقدم حتى يتسنى له متابعة تطور كل جزئيات البحث.

المنهج المتبع:

اقتضت طبيعة الموضوع أن تتنوع مناهج البحث التي اعتمد عليها الكاتب في تحليل وتفكيك جوانب بحثه، فوجدنا المنهج الاستقصائي والتحليلي والإحصائي والقانوني، وهي مناهج وظيفية تساعد على إسقاط الوقائع والأحداث بشكل علمي.

تقييم:

  إن هذا الكتاب على صغر حجمه؛ إلا أنه محل اهتمام عدد من الدوائر الأكاديمية والبحثية، إذ نشره مركز الزيتونة كما سبق القول، ولقي تجاوبا من قبل البعض، ورغم انحياز صاحبه إلى الطرف العربي عند تقديم دراسته؛ إلا أن ذلك يحيلنا أيضا إلى إشكالية عويصة ترتبط بحدود الموضوعية والذاتية والتوظيف الإيديولوجي عند رسم أهداف البحث في هكذا موضوع، إذ لو افترضنا أن باحثا أجنبيا (إسرائيليا أو أوربيا أو أمريكيا أو غيره) تطرق له، فطرحه حتما سيكون وفق الأبعاد الإيديولوجية المعروفة التي تقتضي الانحياز للكيان الغاصب وحلفائه.

إن إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسيّة لمنطقة الشرق الأوسط؛ تبدو محتملة في الوقت الحاضر، وحسب الكاتب لربما نشهد تحالفاً ثلاثياً في المدى البعيد يمكن أن ينتج عن التقارب بين الكيان الإسرائيلي وقبرص واليونان، وهذا التقارب سيكون مرتبطا بمدى الاكتشافات الجديدة للغاز الطبيعي في هذه الدول الثلاث، (خاصة إذا لم تحل الخلافات التركيّة مع هذه الدول)، وسينعكس ذلك إيجابًا على الكيان الإسرائيلي، وسيمنحه عمقاً اقتصادياً واستراتيجياً مهماً في منطقة الشرق الأوسط، وسيفك العزلة الإقليمية التي كانت مفروضة عليه، وهذا سيتجلى بالتوقيع على تصدير الغاز إلى دول الإقليم[7].

وفيما يخصّ الدول العربية في شرق البحر المتوسط؛ فإنها حسب الكاتب ستتأثر حتمًا، بل وستعيش في حالة من الضعف خاصة إذا وصل هذا التحالف الثلاثي إلى حقيقة واقعية تتجسد على الأرض، وعليه فإنه من الجدير بها متابعة كل المساعي الوحدوية التوافقية، وضمان التكتل في كفة واحدة في حال أرادت اتقاء ضربات مفاجئة من شأنها التضييق على اقتصادياتها أو التأثير على مناحي علاقاتها مع الدول الأخرى، أي أن جعل بلدان المنطقة تتعاون معاً سيشكل تحدياً دبلوماسياً هائلاً بحاجة للتغلب عليه، ويمكن أن يكون هذا المحفل المتعدد الأطراف، وقد يؤدي ذلك إلى إعادة رسم الخريطة السياسية والاقتصادية الكاملة للمنطقة بطريقة تفيد جميع الدول، ولكن علينا ملاحظة انه ما لم تتفق الأطراف الفاعلة مع بعضها البعض ستفقد هذه الفرص، ومن غير المحتمل التوصل إلى حلول وسط قد تكون جوهرية بسبب الأطماع الإسرائيلية[8].

ومن الجدير بالقول أن هناك رؤية مختلفة لجديد هذه الاكتشافات في حقول الغاز، إذ أنها ستحقق للفلسطينيين والمصريين واللبنانيين والقبارصة والأتراك وحتى لدول الاتحاد الأوروبي فرصة من أجل الضغط على الكيان الإسرائيلي، في ظلّ تصاعد الوتيرة الدولية المطالبة بحقّ الفلسطينيين في استغلال مواردهم الطبيعية، والتي أقرتها الأمم المتحدة لهم أسوة بجميع شعوب العالم[9].

هذا بالإضافة إلى ضرورة العودة إلى جوهر القضية، الذي لا يمكن معه تناسي حق الفلسطينيين في أرضهم، وان الكيان الإسرائيلي الغاصب يقوم باستغلال ما تم اغتصابه أصلا من أراضي، وعليه فحق التقادم لا يقوم في هكذا أحوال، ويبقى الموضوع محل صراع متواصل يهدأ ويتصاعد مع ظهور أية ملامح أو مؤشرات جديدة.

وخلاصة القول أن الكتاب جد مهم ومستجد، يتطلب منا التنقيب في هكذا مواضيع راهنة، وان القراءة المتأنية لأفكاره وطروحاته عمل يستحق العناء في تقديري الشخصي، كما أوصي بضرورة الانفتاح على المقالات والدراسات الأجنبية والعربية الجادة التي تتقاطع مع مضمون الكتاب لتوسيع الرؤية والآفاق.

[1]  انظر الكتاب، ص 17.

[2]  ص 20- 22.

[3]  ص 33.

[4]  ص 75.

[5]  ص 137.

[6]  ص 171.

[7]  انظر: شادي سمير عويضة: اكتشافات الغاز في شرق البحر المتوسط والنفوذ الإسرائيلي المنظور، في الموقع:

https://www.raialyoum.com/index.php/%D8%A7%D9%83%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%B2-%D9%81%D9%8A-%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D9%88%D8%A7/

[8]  انظر المقال نفسه.

[9]  انظر الكتاب، ص 11.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *