إن التشكيل الجديد للبرلمان بعد كل انتخابات تشريعية يستلزم تنظيم عملية اختيار هيئة رئاسة لهذا البرلمان، وهذه العملية لا يمكن أن تجري بدون رئاسة معينة بموجب الدستور والقانون، تحدد بالوصف شكل هذه الرئاسة وبالمضمون الصلاحيات الممنوحة لها .
وبالنظر إلى أن عمل هذه الرئاسة محدد ومؤقت فإنها تنتهي بمجرد إنجاز الأعمال الموكلة لها، وفي عين الوقت تكون طبيعة الصلاحيات المحددة لها ضيقة ومقيدة، فلا يملك هذا الرئيس حرية اتخاذ القرار من عدمه أو إرجائه لوقت آخر، فعمله آلي – إن صح التعبير- لايملك التحكم به، بينما الدستور والقانون هو من يتحكم بهذا الرئيس،حيث لا تتعدى مهام هذه الرئاسة إدارة الجلسة الأولى في البرلمان بهدف إنجاز المهام المحددة لها في دعوة الفائزين في الانتخابات لآداء اليمين الدستورية، ثم فتح باب الترشيح لاختيار رئيس المجلس ونائبيه، ليعود بعدها هذا الرئيس المؤقت إلى مقعده كعضو في البرلمان، فلا صلاحيات تشريعية ولا رقابية ولاغيرها ، وكل خروج عن هذا الاطار المحدد يعد انتهاكا للدستور يستوجب المسؤولية والعقاب.
كما لايملك رئيس السن رفع الجلسة أو تأجيلها إذا ماكانت الظروف طبيعية ومواتية لانتخاب هيئة رئاسة البرلمان، لاسيما إذا تبين أن هدف هذا الإجراء هو سياسي وليس قانوني، بمعنى وجود نية سياسية مبيتة و غير مشروعة للالتفاف على السياقات والنصوص الدستورية المحددة للاستحقاقات الانتخابية.
وتحدد الدساتير والتشريعات أكبر الأعضاء سناً في البرلمان المنتخب ليكون رئيساً للجلسة الأولى عند التئام البرلمان، تُناط به المهام المحددة والضيقة مضموناً ومدةً، فلا يملك الخروج عنها او الإطالة بمدتها .
ويرتبط إنجاز عمل رئيس السن بتحقق شروط معينة لايملك الخروج عنها، كما في المصادقة على عملية الانتخاب، و حضور النصاب المطلوب من الفائزين في الانتخابات التشريعية لانعقاد الجلسة الأولى.
ولايمكن أن تتوقف عملية انعقاد الجلسة الأولى وما يجب أن يترتب عليها من اختيار هيئة الرئاسة على رئيس السن إذا ما خرج عن مسؤولياته، فامتنع مثلاً عن إجراء عملية اختيار هيئة الرئاسة، وماشابه ذلك من تصرفات، فهذا الخروج يشكل أعمالاً مادية غير مشروعة وغير دستورية تستوجب مجابهته مادياً أيضا من خلال إزاحة هذا الرئيس ليحل محله أكبر الأعضاء سناً بعده ليتولى مهام رئيس السن وإنجاز الأعمال الموكلة لهذا الرئيس المؤقت، فإذا تصرف الثاني بشكل يخالف واجباته وجب التصرف معه وفقاً لما تم التعامل فيه مع الأول، وإلى حين مجيء رئيس للسن يتولى مهمة أداء اليمين الدستورية وانتخاب هيئة رئاسة مجلس النواب.
إن القول بخلاف ماتقدم يعني بداية تمرير المخالفة الدستورية لرئيس السن في تصرفاته، وتنتهي بأخطر وضع يمكن أن تصل له أهم المؤسسات الدستورية وهي البرلمان، حيث ستقود تصرفات رئيس السن المخالفة للدستور إلى عرقلة تشكيل مجلس النواب، ما يعني تهديد العملية السياسية برمتها، بالنظر إلى غياب المؤسسة التشريعية وغياب وظائفها.
هذا الخطر يتضاعف في نطاق النظام البرلماني، بالنظر إلى أن الأخير هو المصدر لانتخاب رئيس الجمهورية، واختيار رئيس الحكومة وأعضائها، وعرقلة تشكيل مجلس النواب ورئاسته يعني عرقلة تشكيل جميع هذه المؤسسات، وما يمكن أن ينتج عنها من تداعيات على النظام السياسي والدولة عموماً.
إن رئيس السن لايعتبر مؤسسة دستورية كما هو الحال في رئيس مجلس النواب المنتخب ورئيس الجمهورية والحكومة، حيث ينتهي دوره بانتهاء وظيفته.
من جانب آخر هناك بعض الحالات التي ينبغي فيها تنحي رئيس السن عن ترأس الجلسة الأولى للبرلمان ليحل محله رئيس السن الاحتياط الذي يليه من ناحية السن، وتدور هذه الحالات حول فكرة تضارب المصالح، بمعنى أن يكون رئيس السن في حالة تنفي عنه صفة الحياد المطلوبة أثناء عملية انتخاب هيئة رئاسة المجلس، كما في ترشحه لهيئة رئاسة المجلس، حيث يكون في وضع يُخشى منه التأثير سلباً على سير عملية انتخاب هيئة الرئاسة.
كذلك فإن تعرض رئيس السن لطارئ ما، لايمنحه صلاحية رفع الجلسة أو تأجيلها، لأن وجوده الشخصي غير معتبر في هذه المرحلة، فلا يتوقف على شخصه استمرار الجلسة وتحقيق المتطلبات الدستورية، حيث يمكن استبداله بغيره، فإذا تعرض لوعكة صحية مثلاً ليس أمامه سوى التنحي، ليتسلم رئيس السن الاحتياط المهام من بعده.